للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَدَّرُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ قَاصِرًا عَنْ مَبْلَغِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي دَيْنًا عَلَيْهِ إِلَى أَنْ يَجِدَهُ.

وَقَوْلُهُ: «كُلْ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ»، اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، حُكِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ هَذَا خَاصًّا لِذَلِكَ الرَّجُلِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ، فَمَنْ فَعَلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَلا دَلِيلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ.

وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَكَرَهَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا رَجُلٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَشْتَرِي بِهِ الرَّقَبَةَ، وَلَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ، فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنْهُ، فَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَتْرُكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ، فَأَمَرَهُ بِصَرْفِهِ إِلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي الْوَقْتِ، وَصَارَتْ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى أَنْ يَجِدَهَا كَالْمُفْلِسِ يُمْهَلُ إِلَى الْيَسَارِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالَةِ الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ حَالَةَ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ، فَلَمَّا تَصَدَّقَ عَلَيْهِ، أَمَرَهُ بِأَنْ يُكَفِّرَ، فَلَمَّا ذَكَرَ حَاجَتَهُ، أَخَّرَهَا عَلَيْهِ إِلَى الْوَجْدِ.

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلرَّقَبَةِ يَوْمَ الْوُجُوبِ، فَلَمْ يَعْتِقْ حَتَّى عَدِمَهَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ بَعْدَمَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، فَلَهُ أَنْ يُكَفِّرَ بِالإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلرَّقَبَةِ يَوْمَ الْوُجُوبِ، عَاجِزًا عَنِ الصَّوْمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>