فَقَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ، قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ، فَعَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِالإِعْتَاقِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا، فَيَأْتِي بِأَسْرَعَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرّجل لَمَّا قَالَ: مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَحْوَجُ مِنَّا، قَالَ: «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»، فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ.
وَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى مَنْ لَا يُلْزِمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ، فَأَمَّا مَنْ يُلْزِمُهُ نَفَقَتُهُمْ عِنْدَ الْعُدْمِ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ، فَلَا يَجُوزُ وَضْعُ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ فِيهِمْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرْأَةِ الصَّائِمَةِ إِذَا طَاوَعَتْ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، هَلْ يُلْزِمُهَا الْكَفَّارَةُ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يُلْزِمُهَا الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِجِمَاعِ عَمْدٍ كَالرَّجُلِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ، إِلا أَنَّهُ قَالَ: إِنْ كَانْتِ الْكَفَّارَةُ بِالصَّوْمِ، كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّجُلَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فِعْلٍ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَلَمْ يُوجِبِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا كَفَّارَةً وَاحِدَةً.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا غَيْرُ لازِمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا حِكَايَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُفْطِرَةٌ بِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، أَوْ تَكُونُ مُسْتَكْرَهَةً، أَوْ نَاهِيَةً لِصَوْمِهَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرُوهُ حُجَّةً لِسُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا عِنْدَ تَعَمُّدِ الْفِطْرِ بِالْجِمَاعِ.
وَقَوْلُهُ: «صُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ»، فِيهِ بَيَانُ أَنَّ قَضَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute