قَوْلُهُ: «عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ»، يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَعَ حَجَّةٍ، وَيَحْتَمِلُ أَيْ عُمْرَةٌ يُدْرِجُهَا فِي حَجَّةٍ، لأَنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ إِذَا قُرِنَ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى جَوَازِ الإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، فَصُورَةُ الإِفْرَادِ: أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ، وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ جَوْفِ مَكَّةَ، فَيَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَصُورَةُ الْقِرَانِ: أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ، فَيَصِيرُ قَارِنًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ الطَّوَافِ إِلا أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهَا بَعْدَ إِتْمَامِ أَعْمَالِهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَلا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجُوزُ، وَيَصِيرُ قَارِنًا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الإِفْرَادَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْقِرَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، تَقْدِيمًا لِرِوَايَةِ جَابِرٍ، وَعَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، لِتَقَدُّمِ صُحْبَةِ جَابِرٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحُسْنِ سِيَاقِهِ، لابْتِدَاءِ الْحَدِيثِ، وَآخِرِهِ، وَفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ، وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِحْرَامًا مَوْقُوفًا، وَخَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا، فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَحُجَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute