للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَضَاءَ، طَلَبَ الاخْتِيَارَ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَأَفْرَدَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ.

قَالَ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الرَّجُلِ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؟ فَقَالَ: مَا فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَلا عُمَرُ، وَلا عُثْمَانُ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ كَمَا رَوَاهُ أَنَسٌ.

وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.

وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُمْ: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكِمْ، وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةٌ، فَلَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ، لَفَعَلْتُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ»، فَلَوْلا أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ الْوُجُوهِ، لَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ، وَلَمَا تَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ بِقَوْلِهِ: «لَوْلا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ»، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اسْتِطَابَةَ نُفُوسِ أَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَلَمْ يُعْجِبْهُمْ تَرْكُ الائْتِسَاءِ بِهِ، وَالْكَوْنُ مَعَهُ فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ، فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ، لِئَلا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ يأْمُرُهُمْ بِخِلافِ مَا يَفْعَلُ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْفَضْلَ لَهُمْ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَأَمَرَهُمْ بِهِ، وَأَنَّهُ لَوْلا أَنَّ سُنَّةَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، لَكَانَ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الإِحْلالِ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ».

<<  <  ج: ص:  >  >>