كَانَ مُفْرَدًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَأَسَانِيدُ الْكُلِّ عِنْدَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ، وَنَقَلَةُ الْأَخْبَارِ جِيَادٌ صِحَاحٌ، ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا هَذَا التَّنَاقُضَ! يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَوْهِينَ أَمْرِ الْحَدِيثِ، وَتَصْغِيرِ شَأْنِ النَّقْلِ.
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَقَدْ أَنْعَمَ الشَّافِعِيُّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَيَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْأَحَادِيثِ، وَجَوَّدَ الْكَلامَ فِيهِ.
وَالْوَجِيزُ الْمُخْتَصَرُ مِنْ جَوَامِعِ مَا قَالَ فِيهِ: أَنَّ مَعْلُومًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ جَوَازُ إِضَافَةِ الْفِعْلِ إِلَى الْآمِرِ بِهِ، كَجَوَازِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، كَقَوْلِهِ: بَنَى فُلانٌ دَارًا: إِذَا أَمَرَ بِبِنَائِهَا، وَضَرَبَ الْأَمِيرُ فُلانًا: إِذَا أَمَرَ بِضَرْبِهِ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا، وَقَطَعَ سَارِقَ رِدَاءِ صَفْوَانَ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَشْهَدْهُ، وَأَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلامِ.
وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ، وَالْمُتَمَتِّعُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْخُذُ عَنْهُ أَمْرَ نُسُكِهِ، وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَجَازَ أَنْ تُضَافَ كُلَّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا، وَأَذِنَ فِيهَا، وكل قَالَ صِدْقًا، وَرَوَى حَقًّا، لَا يُنْكِرُهُ إِلا مَنْ جَهِلَ، أَوْ عَانَدَ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلافِ الْحَدِيثِ إِلَى التَّمَتُّعِ، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الاخْتِلافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لأَنَّ الْكِتَابَ، ثُمَّ السُّنَّةَ، ثُمَّ مَا لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلافًا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَإِفْرَادَ الْحَجِّ، وَالْقِرَانِ، وَاسِعٌ كُلَّهُ، وَقَالَ: وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ، يُشْبِهُ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute