يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكُوا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ، إِلا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِحَجٍّ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ مُتَعَارِضَةٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ، وَرَوَيْنَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَ سَالِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ، حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ! وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا»، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْمُتْعَةِ: صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
قَالَ الإِمَامُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلا الْحَجَّ، لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ، لأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا أَهْدَيْتُ»، لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ، بَلْ يَحْتَمِلُ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ، أَنَّهُ كَانَ مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ، فَاسْتَحَبَّ اسْتِدَامَةَ حُكْمِ إِحْرَامِهِ لِمَكَانِ هَدْيِهِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَخْرُجَ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute