للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذَلِكَ فِي كِنَانَةَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يُنْسِئُونَ الشُّهُورَ عَلَى الْعَرَبِ، وَإِذَا أَخَّرُوا تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى صَفَرٍ، وَمَكَثُوا لِذَلِكَ زَمَانًا، ثُمَّ احْتَاجُوا إِلَى تَأْخِيرِ تَحْرِيمِ صَفَرٍ إِلَى الرَّبِيعِ، فَعَلُوا هَكَذَا شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، حَتَّى اسْتَدَارَ التَّحْرِيمُ عَلَى السَّنَةِ كُلِّهَا، فَقَامَ الإِسْلامُ، وَقَدْ رَجَعَ الْمُحَرَّمِ إِلَى مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ دَهْرٍ طَوِيلٍ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ»، وَيُقَالُ: كَانَ قَدِ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِهِمْ حَتَّى خَرَجَ حِسَابُهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، فَكَانُوا رُبَّمَا يَحُجُّونَ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فِي شَهْرٍ، وَيَحُجُّونَ مِنْ قَابِلٍ فِي شَهْرٍ غَيْرِهِ، إِلَى أَنْ كَانَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَافَى حَجُّهُمْ شَهْرَ الْحَجِّ الْمَشْرُوعِ، وَهُوَ ذُو الْحِجَّةِ، فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ التَّاسِعَ، وَخَطَبَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ بِمِنًى، وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ أَشْهُرَ النَّسِيءِ قَدْ تَنَاسَخَتْ بِاسْتِدَارَةِ الزَّمَانِ، وَعَادَ الْأَمْرُ إِلَى مَا وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَ الْأَشْهُرِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، لِئَلا يَتَبَدَّلَ فِي مُسْتَأْنَفِ الْأَيَّامِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ مَعَ الإِمْكَانِ، لِيُوَافِقَ أَهْلَ الْحِسَابِ، فَيَحُجَّ فِيهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ، وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، أَنَّهُ فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَحُجُّونَ عَامَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعَامَيْنِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الَّتِي حَدَّثَنَا فِيهَا أَبُو بَكْرٍ قَبْلَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ الْحَجُّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَكَانَتْ حَجَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: «إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ»، يَقُولُ: قَدْ ثَبَتَ الْحَجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ: «رَجَبُ مُضَرَ»، إِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى مُضَرَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ تُحَافِظُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>