للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَوْلُهُ: «وَلا ظَنِينٍ فِي وَلاءٍ وَلا قَرَابَةٍ»: هُوَ الْمُتَّهَمُ بِالانْتِسَابِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، وَالانْتِمَاءِ إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: ٢٤] أَيْ: بِمُتَّهَمٍ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ يُظَنُّ فِي قَتْلِ عُثْمَانَ، أَيْ: يُتَّهَمُ.

وَتُرَدُّ أَيْضًا شَهَادَةُ الْمُتَّهَمِ فِي دِينِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُتَّهَمُ فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْ يَشْهَدَ لِوَالِدِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

قَوْلُهُ: «وَرَدَّ شَهَادَةَ الْقَانعِ لأَهْلِ الْبَيْتِ»، فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّابِعُ لَهُمْ، وَأَصْلُ الْقُنُوعِ: السُّؤَالُ، وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، يُقَالُ: قَنَعَ، يَقْنَعُ، قُنُوعًا: إِذَا سَأَلَ، وَيُقَالُ مِنَ الْقنَاعَةُ: قَنِعَ، يَقْنَعُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْقَانِعِ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ الْمُنْقَطِعُ إِلَى الْقَوْمِ يخَدُمُهُمْ، وَيَكُونُ فِي حَوَائِجِهِمْ، فَهُوَ يَنْتَفِعُ بِمَا يَصِيرُ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّفْعِ، فَيَصِيرُ بِشَهَادَتِهِ لَهُمْ جَارًا إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، فَلا يُقْبَلُ، كَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ بِشِرَاءِ دَارٍ وَهُوَ شَفِيعُهَا، أَوْ شَهِدَ لِلْمُفْلِسِ وَاحِدٌ مِنْ غُرَمَائِهِ بِدَيْنٍ عَلَى رَجُلٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ مُوَرِّثَهُ، لَا تُقْبَلُ، لأَنَّ نَفْعَ شَهَادَتِهِ يَعُودُ إِلَيْهِ.

وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَجَازَهُ الآخَرُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَلا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلا الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَتَجُوزُ عَلَيْهِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ دَاوُدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَاتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الأَخِ لِلأَخِ، وَسَائِرِ الأَقَارِبِ.

وَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ إِذَا كَانَ عَدْلا، وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>