مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوأً، لَمْ نَأْمَنْهُ، وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ.
قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالْمُرُوءَةُ شَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، وَهِيَ مَا يَتَّصِلُ بِآدَابِ النَّفْسِ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ تَارِكَهُ قَلِيلُ الْحَيَاءِ، وَهِيَ حُسْنُ الْهَيْئَةِ، وَالسِّيرَةِ وَالْعِشْرَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ يُظْهِرُ مِنْ نَفْسِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يَسْتَحِي أَمْثَالُهُ مِنْ إِظْهَارِهِ فِي الأَغْلَبِ يُعْلَمُ بِهِ قِلَّةُ مُرُوءَتِهِ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا.
قَالَ الإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَانْتِفَاءُ التُّهْمَةِ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى الْعَدُوِّ، وَإِنْ كَانَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ، لأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ عَدُوِّهِ وَلا يُؤْمَنُ أَنْ تَحْمِلَهُ عَدَاوَتُهُ عَلَى إِلْحَاقِ ضَرَرٍ بِشَهَادَتِهِ، فَإِنْ شَهِدَ لِعَدُوِّهِ، تُقْبَلُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي عَدَاوَتِهِ مَا يُفَسَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَا يُفَسَّقُ بِهِ كَانَ مَرْدُودَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُمُومِ.
وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا كَانَ عَدْلا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ رَدَّهُ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ شَهَادَةَ ذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ، وَذُو الْغِمْرِ: الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَالْغِمْرُ: الضِّغْنُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: " أَيُّمَا قَوْمٍ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَدِّ، فَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى ضِغْنٍ.
فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَبَعْضُ النَّاسِ لَا يَقْبَلُ الشَّهَادَةَ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ، وَيَحْكُمُ بِسُقُوطِهَا دُونَ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعِبَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute