قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ: إِنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ، وَلَمْ يُكْمِلْ لَهُمُ الدِّيَةَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِإِسْلامِهِمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ، فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ، وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ، فَتُسْقَطُ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ مِنَ الدِّيَةِ.
قَالَ الإِمَامُ: الْمُسْلِمُ مَضْمُونُ الدَّمِ إِنْ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُ دَمِهِ بِالْمُقَامِ فِيمَا بَيْنَ الْكُفَّارِ أَصْلا، فَلا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَقَصَ بِهِ الضَّمَانِ أَصْلا، أَلا تَرَى أَنَّ الْقَاتِلَ إِذَا عَرَفَهُ مُسْلِمًا مُقِيمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ، وَلا تُجْعَلُ إِقَامَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُشَارَكَةً لِقَاتِلِهِ فِي قَتْلِهِ، فَيَحْتَمِلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ بِقَتْلِهِمْ، لأَنَّ مُجَرَّدَ الاعْتِصَامِ بِالسُّجُودِ لَا يَكُونُ إِسْلامًا، فَإِنَّهُمْ يَسْتَعْمِلُونَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالانْقِيَادِ، فَلا يَحْرُمُ بِهِ قَتْلُ الْكَافِرِ، فَهَؤُلاءِ لَمْ يَحْرُمْ قَتْلُهُمْ بِمُجَرَّدِ سُجُودِهِمْ، إِنَّمَا سَبِيلُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَقِّهِمُ التَّثَبُّتُ وَالتَّوَقُّفُ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا، ثُمَّ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقَدْ قَتَلُوا مُسْلِمًا مُقِيمًا بَيْنَ أَظْهُرِ الْكُفَّارِ لَمْ يَعْرِفُوا إِسْلامَهُ، فَلا دِيَةَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute