بِنِصْفِ الدِّيَةِ اسْتِطَابَةً لأَنْفُسِ أَهْلِيهِمْ، أَوْ زَجْرًا لِلْمُسْلِمِينَ عَنْ تَرْكِ التَّثَبُّتِ عِنْدَ وُقُوعِ الشُّبْهَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الأَسِيرَ الْمُسْلِمَ فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ إِذَا وَجَدَ إِمْكَانَ الْخَلاصِ وَالانْفِلاتِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُمْ إِنْ خَلَّوْهُ لَا يَخْرُجُ، فَحَلَفَ، فَخَلَّوْهُ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ، وَيَمِينُهُ يَمِينُ مُكْرَهٍ، لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهَا، وَإِنْ حَلَفَ اسْتِطَابَةً لِنُفُوسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَلِّفُوهُ، فَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ، وَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ، وَإِنْ حَلَّفُوهُ أَنَّهُ إِنْ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإِسْلامِ يَعُودُ إِلَيْهِمْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ، وَلا يَدَعُهُ الإِمَامُ أَنْ يَعُودَ، وَلَوِ امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إِلا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهِمْ، فَضَمِنَ، لَا يَجِبُ أَنْ يُعْطِيَ، وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ.
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْمُسْلِمِ دُخُولَ دَارِ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ وَالْمُقَامِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مُقَامِ السَّفَرِ.
وَقَوْلُهُ: «لَا تَتَراءَى نَارَاهُمَا» يَعْنِي: لَا يُسَاكِنُ الْمُسْلِمُ الْكُفَّارَ فِي بِلادِهِمْ بِحَيْثُ لَوْ أَوْقَدُوا نَارًا تَرَى كُلُّ طَائِفَةٍ نَارَ الأُخْرَى، فَجَعَلَ الرُّؤْيَةَ لِلنَّارِ، وَلا رُؤْيَةَ لَهَا، وَمَعْنَاهُ: أَنْ تَدْنُوَا هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، كَمَا يُقَالُ: دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلانٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: لَا يَسْتَوِي حُكْمَاهُمَا، يَقُولُ: كَيْفَ يُسَاكِنُهُمْ فِي بِلادِهْم وَحُكْمُ دِينِهِمَا مُخْتَلِفٌ؟ وَقِيلَ: أَرَادَ نَارَ الْحَرْبِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [الْمَائِدَة: ٦٤]، يَقُولُ: كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَنَارُ حَرْبِهِمَا مُخْتَلِفٌ، هَذَا يَدْعُو إِلَى الرَّحْمَنِ، وَيُحَارِبُ عَلَيْهِ، وَهَذَا يَدْعُو إِلَى الشَّيْطَانِ، وَيُحارِبُ عَلَيْهِ.
وَفِي بَعْضِ الأَحَادِيثِ: «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute