إِلى الْجِهَاد، وذلِك لِأَن تجهيز الْغَازِي يضرُّ بأَهْله، وفِي قُفوله إِلَيْهِم إزالةُ الضَّرَر عَنْهُم، واستجمام للنَّفس، واستعداد بِالْقُوَّةِ للعودِ.
وَالْوَجْه الآخر: أَن يكُون أَرَادَ بِذلِك التعقيب، وهُو رُجُوعه ثَانِيًا فِي الْوَجْه الّذِي جَاءَ مِنْهُ منصرفًا، وَإِن لمْ يلق عدوا، وقدْ يفعل الْجَيْش ذلِك لأحد أَمريْن: أَحدهمَا: أَن الْعَدو إِذا رَأَوْهُمْ قد انصرفوا عنْ ساحتهم أمِنوهم، فَخَرجُوا من مكامنهم، فإِذا قفل الْجَيْش إِلى دَار الْعَدو، نالوا الفرصة مِنْهُم، فَأَغَارُوا عَلَيْهِم.
وَالْآخر: أَنهم إِذا انصرفوا من مغزاهم ظَاهِرين لمْ يأمنوا أَن يقفُو الْعَدو أَثَرهم، فيوقعوا بِهِمْ وهُمْ غَارونَ، فَرُبمَا استظهر الْجَيْش، أوْ بعْضهم بِالرُّجُوعِ على أدراجهم ينقضون الطَّرِيق، فإِن كَانَ من الْعَدو طلب، كانُوا مستعدين للقائهم.
قَالَ الإِمامُ: وقدْ صَحَّ عنْ أنس، عنْ أبِي طلْحة: أَن نَبِي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ إِذا ظهر على قومٍ، أَقَامَ بِعرصتِهِمْ ثَلَاثًا».
قوْله: «للجاعِلِ أجْرُهُ وأجْرُ الْغَازِي»، فِيهِ ترغيبٌ للجاعل ورخصة للمجعول لهُ.
واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَاز أَخذ الْجعل على الْجِهَاد، فَرخص فِيهِ الزُّهْرِي، ومالِك، وأصْحاب الرّأْيِ، ولمْ يجوّزه قومٌ، رُوِي عنِ ابْن عُمر، أنّهُ قَالَ: أرى الْغَازِي يَبِيع غَزوه، وَأرى هَذَا يفِرُّ من غَزوه، وَكَرِهَهُ عَلْقَمَة، وَقَالَ الشّافِعِيُّ: لَا يجوز أَن يَغْزُو بجُعل، فإِن أَخذه، فعليْهِ رده، وَقَالَ النّخعِي: لَا بَأْس بالإعطاء، وأكره الْأَخْذ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute