للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هِيَ إِرَادَة الْخَيْر، وَلَيْسَ يُمكن أَن يعبر عَن هَذَا الْمَعْنى بِكَلِمَة وَاحِدَة تحصرها، وَتجمع مَعْنَاهَا غَيرهَا، كَمَال قَالُوا فِي الْفَلاح: لَيْسَ فِي كَلَام الْعَرَب كلمة أجمع لخير الدّنيا وَالْآخِرَة مِنْهُ، وَلذَلِك قَالُوا: أَفْلح الرجل: إِذا فَازَ بِالْخَيرِ الدَّائِم الَّذِي لَا انْقِطَاع لَهُ، وأصل النصح فِي اللُّغَة: الخلوص، يقَالَ: نصحت الْعَسَل: إِذا خلصته مِن الشمع، ويقَالَ: هُوَ مَأْخُوذ مِن: نصح الرجل ثَوْبه، أَي: خاطه، شبهوا فعل الناصح فِيمَا يتحراه مِن صَلَاح المنصوح لَهُ بِفعل الْخياط فِيمَا يسد مِن خلل الثَّوْب.

وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: «الدّين النَّصِيحَة»، يُرِيد عماد أَمر الدّين إِنَّمَا هُوَ النَّصِيحَة، وَبهَا ثباته، كَقَوْلِه عَلَيْهِ السَّلَام: «الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ»، أَي: صِحَّتهَا وثباتها بِالنِّيَّةِ.

فَمَعْنَى نصيحة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: الْإِيمَان بِهِ، وَصِحَّة الِاعْتِقَاد فِي وحدانيته، وَترك الْإِلْحَاد فِي صِفَاته، وإخلاص النِّيَّة فِي عِبَادَته، وبذل الطَّاعَة فِيمَا أَمر بِهِ، وَنهى عَنْهُ، وموالاة مِن أطاعه، ومعاداة مِن عَصَاهُ، وَالِاعْتِرَاف بنعمه، وَالشُّكْر لَهُ عَلَيْهَا، وَحَقِيقَة هَذِه الْإِضَافَة رَاجِعَة إِلَى العَبْد فِي نصيحة نَفسه لله، وَالله غَنِي عَن نصح كل نَاصح.

أما النَّصِيحَة لكتاب اللَّه، فالإيمان بِهِ، وَبِأَنَّهُ كَلَام اللَّه ووحيه وتنزيله، لَا يقدر عَلَى مثله أحد مِن المخلوقين، وَإِقَامَة حُرُوفه فِي التِّلَاوَة، والتصديق بوعده ووعيده، وَالِاعْتِبَار بمواعظه، والتفكر فِي عجائبه، وَالْعَمَل بمحكمه، وَالتَّسْلِيم لمتشابهه.

وَأما النَّصِيحَة لرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهِيَ التَّصْدِيق بنبوته، وَقبُول مَا جَاءَ بِهِ، ودعا إِلَيْهِ، وبذل الطَّاعَة لَهُ فِيمَا أَمر وَنهى، والانقياد لَهُ فِيمَا حكم

<<  <  ج: ص:  >  >>