ونحن قد بسطنا الكلام في ذلك حيث تكلمنا في العضل ويكون الجفن هو الغشاء المسمى بالسمحاق. فإن هذا الغشاء إذا بلغ موضع الجفن الأعلى ينزل على العين يقدر يغطيها ثم انعطف إلى فوق فإذا لاقى المقلة تفرق في طبقاتها واحتشى لحماً أبيض صلباً وتكون منهما الطبقة الملتحمة، ثم إن هذا الجفن لكثرة حركته خيف عليه أن يفرط في التجفف فخلق بين طبقاته غشاء شحمي وذلك هو الجرم الذي إذا عظم جداً كان من الشرناق واحتيج إلى أن يحفظ للطي على هيئته فلا تتغير وضع طاقيته فخلق في طرف هذا الطاق جرم غضروفي دقيق وفيه تنبت الأهداب وجعل الوتر المحرك للجفن متصلاً بهذا الغضروف ليكون إذا حركه تحرك بسبب ذلك جميع الجفن من غير أن يمتد موضع الوتر فقط.
وأما الجفن الأسفل فإنه أيضاً يتكون من السمحاق وذلك بأن يصعد من فوق عظم الوجنة، فإذا غشي بعض المقلة انعطف إلى أسفل فإذا لاقى المقلة حدث منه ومن اللحم الأبيض الطبقة الملتحمة كما ذكرنا.
وخلق أيضاً في طرف عطفة الجرم الغضروفي ليحفظ وضع ذلك العطف وليكون مغرسٍ الهدب صلباً لما نذكره من منافع ذلك وهذا الجفن أصغر كثيراً من العالي لأنه لو كان عظيماً كالعالي لحبس الغذى الذي بينه وبين المقلة ولا كذلك العالي فإن حركته تدفع القذى والذي نحوه إلى أسفل فيظهر القذى ويخرج وهدب الجفن الأسفل منقلبة إلى أسفل لأنها لو كانت منتصبة على الاستقامة لمنعت نزول ما ينزل عليها من الغبار ونحوه وحبسته أمام المقلة، ولو كانت منتصبة إلى فوق لأضرت بالإبصار فلذلك خلقت منعطفة إلى أسفل فإن ذلك أمنع لتصعد ما من شأنه التصعد إلى المقلة.
وأما هدب الجفن الأعلى فإنها لو كانت منعطفة إلى فوق لحبست ما ينزل إلى العين عندها، ولو كانت مسترسلة إلى أسفل لأضرت بالإبصار فلذلك خلقت منتصبة إلى قدام، ولولا صلابة مغرس هذه الأهداب في الجفنين لكانت تكون كما في الشعور مسترخية ولذلك جعل مغرسها في الجرم الغضروفي الذي ذكرناه ثم جعل هذا الجرم منثقباً لأنه لو كان مصمتاً لكان ما يحصل من الفضول بين الطاقين يحتبس بينهما ويضر بالجفن، فلذلك خلق ذلك الجرم منثقباً ولذلك يخرج من طرف الجفن الرمص ونحوه. ولأجل صلابة مغرس الأهداب ويبوسته قل جداً ما ينفذ في الشعر من الرطوبة فلذلك جميع الشعور تشيب في الكبر إلا هذه الأهداب لأن بياضها شديد الإضرار بالبصر. والله ولي التوفيق.
فصل
تشريح الأذن
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه اعلم أن الأذن عضو خلق ... إلى آخر الفصل.
[الشرح]
كل حيوان يلد فله أذن بارزة ولا كذلك الحيوان الذي يبيض وذلك لأن آلة السمع تحتاج إلى صلابة ولذلك جعل عصبها من الزوج الخامس، وجعل منفذها من العظم الحجري كل ذلك لتكون هذه الآلة، صلبة وذلك لأن هذه الصلابة تعين على الصوت بقرع الهواء الحامل للصوت لها ولذلك فإن ما كان من الحيوان كثير الرطوبة حتى لا تكون هذه الآلة فيه شديدة الصلابة فإن ما كان سمعه لا يخلو من ضعف ولذلك خلق الإنسان يستعين على جودة سمعه بالأذن البارزة فإن هذه تعين على السمع بجمعها للهواء وكذلك الحيوان الكثير اليبوسة فإن سمعه لقوته يستغني عن تقوية هذه الآلة للسمع فلذلك كل حيوان يلد وله أذن بارزة لأن الحيوان إنما يلد إذا كان كثير الرطوبة حتى يمكنه أن يمد الجنين بالغذاء من رطوبة بدنه إلى أن يعظم، وكل حيوان يبيض فإن لا أذن له بارزة. فإن الحيوان إنما يبيض إذا كان بدنه قليل الرطوبة جداً حتى لا يكون فيه من الرطوبة ما يمد الجنين بالغذاء مدة تكونه.
وليس لقائل أن يقول: لو كان الأمر كذلك لكان السمك أولى بأن تكون له أذن بارزة وبأن يلد لأن رطوبات السمك كثيرة إلا أن نقول إن السمك لا شك أن رطوبة أعضائه كثيرة ولكن ليس في بدنه رطوبات تفضل لغذاء الجنين ولذلك فإن دمه قليل جداً، وسبب ذلك أن جميع ما يرد إليه من الرطوبات فإنه ينصرف إلى تغذية أعضائه فلا تبقى في بدنه رطوبة تستحق أن يندفع عنه إلى غذاء غيره أو إلى غير ذلك بخلاف الماشية ونحوها. وكل حيوان له أذن بارزة فإنه يحركها ليتوصل بذلك إلى جميع الهواء الحامل للصوت إلى جميع الجهات اللهم إلا كثيراً من أشخاص الإنسان فإنهم لا يحركون آذانهم.