للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما ظاهر المعدة فإنه وإن كان يأتيه الدم من هذا العرق فإن المعدة بحراراتها تحلل منه المائية الكثيرة فلا جرم يكون ما يتولد منه من اللحم عليها متيناً. ولذلك هذا الجرم الذي يلاقي المعدة من قدامها لا بد من أن يكون جوهره كثير المائية ولا يمكن أن يكون لحماً رخواً رهلاً لأن مثل هذا اللحم ليس فيه من الدسومة والدهنية ما يقبل لأجل ذلك الحرارة من غيره قبولاً كثيراً كما في الشحم ولذلك فإن الشحم يشتعل كثيراً بالنار. ولا كذلك هذا اللحم الرخو ولذلك وجب أن يكون الملاقي للمعدة لإدفائها جرماً شحمياً لا لحماً رخواً. وإنما لا يكون من جوهر السمين لأن جوهر السمين ليس فيه من البرد ما يعدل من حرارة العروق فلذلك كان هذا الملاقي للمعدة لإدفائها بتوسط قبوله الحرارة من غيره جرماً شحمياً. وذلك هو الثرب وجعل هذا الثرب رقيق الجرم أي ليس كثير الثخن لئلا تلزمه زيادة كثيرة في كبر البطن، وجعل جوهره كثيفاً ليفي مع رقته بحصر الحرارة في جرم المعدة فلا يتحلل بسرعة ولا كذلك لو كانت مسامه متسعة والله ولي التوفيق.

البحث الرابع

تشريح الصّفاق المسمى باريطارون

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وفوق الثرب الغشائي الصفاق المسمى باريطارون ... إلى قوله: ومنه ينبت الغشاء المستبطن للصدر.

الشرح كما أن آلات التنفس يحويها الغشاء المستبطن للأضلاع كذلك آلات الغذاء ودفع الفضول والرحم هذه جميعها يحويها الغشاء الذي يسمى الصفاق، وهو الذي نتكلم فيه ها هنا، وإنما لم تحجب آلات الغذاء عن آلات دفع الفضول بحجاب، وكذلك كلا هذين عن آلة التوليد التي هي في الرحم مع أن ذلك أولى وقاية لآلات الغذاء عن أبخرة تلك الآلات وقذاراتها لأنه لو فعل ذلك لكثرت الحجب والتكثير إنما يكون لأمر ضروري وها هنا ليس كذلك فإن تضرر آلات الغذاء بقدارات آلات الفضول وآلات التوليد بدون خلقة ما يحجب بينها ليس بأزيد من تضررها بذلك مع خلقة الحجب بقدر يعتد به، وذلك لأن آلات الغذاء لا بد من أن يكون لها منافذ إلى آلات الفضول وإلا لم يمكن اندفاع تلك الفضول غليها، ومن تلك المنافذ لا بد من نفوذ قذارات تلك الآلات وأبخرتها إلى آلات الغذاء سواء خلق مع ذلك حجب أو لم يخلق فلذلك لم يكن ضرورة إلى خلقة الحجب بين هذه الأعضاء، ولا بد من غشاء يحوي هذه الآلات فإذا لم يكن حجب كانت هذه الآلات جميعها في غشاء واحد وذلك هو المسمى بالصفاق. وهذا الصفاق مع أنه يحفظ هذه الآلات ويحرسها عن نفوذ ما ينفع نفوذه إليها فإنه أيضاً يحفظ أو ضاعها لأن بينه وبين عظام الصلب تنفذ العلايق المعلقة لهذه الآلات كما أن العلايق لآلات التنفس جميعها متصلة مع عظام الصلب بالغشاء المستبطن للأضلاع فوق هذا الغشاء المسمى باريطارون غشاء آخر يسمى المراق. وفوقه عضلات البطن ثم الجلد وإنما احتيج في آلات الغذاء إلى هذا الغشاء الآخر ولم يكتف بغشاء واحد كما في آلات التنفس لأن آلات التنفس تحيط بها الأضلاع وهي شديدة التوقية لها وكذلك هذه الآلات فإنها لا يمكن أن تحيط بها عظام كما في آلات التنفس وإلا لزم ذلك تعذر الانحناء والانثناء والانتكاس إلى قدام وخلف ونحو ذلك فلذلك احتاجت إلى وقاية أخرى لا تمنع عن هذه الحركات وتلك هي هذا الغشاء الذي هو المراق.

قوله: ومن خلفها الصلب ممتداً عليه عرق ضارب، وقد ذكر أو لاً ما يدفئ المعدة من جانبها ومن قدامها والمذكور منها ها هنا هو ما يدفئها من ورائها والصلب من عظام وهي باردة فليس فيه أدفأ للمعدة إلا بما عليه من العروق المذكورة فتكون تلك العروق هي المدفئة من ورائها لا الصلب نفسه.

قوله: ومنافعه وقاية تلك الأحشاء والحجز بين المعاء وعضل المراق لئلا يتخللها فيشوش فعلها، أما منفعة الصفاق في وقاية الأحشاء التي في داخله فظاهرة. وأما منفعة الحجز بين المعاء وعضل المراق فذلك لأن هذه العضلات لو لاقت الأمعاء لكانت بحركتها تغير أو ضاع تلك الأمعاء بتخلل العضل فيها.

قوله: فإنها تعصر المعدة بحركة العضل معها. الحركة العاصرة للمعدة وغيرها من الأحشاء المحتاجة في دفع فضولها إلى ذلك إنما هي للعضل التي للبطن وأما المراق بذاته فلا حركة له ولكنه قد ينفع في هذا العصر بسبب المزاحمة.

<<  <   >  >>