قال: والزوج الآخر مدور العضل وليفه مضاد في الوضع لليف العضل الأول لأنه يبتدئ من جنبي الرأس وهو موضع منتهاه، ويبلغ إلى الشوكة ويعني بالشوكة السنسنة. هذا إذا كان الظاهر زوجين فقط أما إذا كانت ثلاثة فإنا نجد الواحد منها يمتد بجنب عظم الصلب والآخر تحت الزوائد التي عن جنبي الفقار ويريد بهذه الزوائد الأجنحة.
والثالث: يوجد في الوسط بينهما، وربما رأينا مراراً كثير الليف بجميع مبادئها تنشأ من خلف، على تأريب، ويصير إلى قدام حتى يبلغ الفقار إلى المواضع منها التي قيل: قد عرفت أن الأجنحة موضوعة في جنبي الفقار فكيف جعل جنبي الفقار ها هنا مغايراً لموضع الأجنحة؟ قلنا: الأجنحة وإن كانت إلى جنبي الفقار ولكنها ليست على الوسط فيما بين خلف وقدام والمراد ها هنا بالجنبين ما هو كذلك، وها هنا مسألتان: إحداهما: ما السبب في وضع العضلات المقلبة للرأس إلى خارج؟ وهلا وضعت كلها إلى داخل الفقار مبتدئه من خلف الرأس فإن ذلك الموضع أحرز لها؟ وثانيتهما: ما السبب في تكثير أعداد هذه العضلات مع صغر جرم أكثرها؟ وهلا جعلت مثل المنكسة للرأس إلى قدام قليلة العدد؟ والجواب: أما الأول فلأن تحريك الثقيل من جهة حركته أسهل كثيراً من تحريكه من الجهة المقابلة فإن الانعطاف مما يضعف قوة الجذب.
وأما الثانية: فلأن حركة الرأس إلى خلف لما كانت عسرة لأجل ميل اكثر ثقله إلى قدام كان إذا حرك إلى خلف بمعرض التزعزع لكلال قوة الجذب فاحتيج أن تكون تلك الآلات كثيرة العدد لتكون متشبثة به من جوانب كثيرة كالأطناب فيكون ثباته عند هذه الحركة في الموضع الذي يحرك إليه محكماً. وأما حركته إلى قدام فإنها على وفق ثقله وميله الطبيعي المثقل فلا تفتقر فيها إلى ذلك. والله ولي التوفيق.
البحث السادس العضل المميلة إلى الجانبين قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المميلة للرأس إلى الجانبين ... إلى آخر الفصل.
الشرح قد جعلت العضلات المحركة للرأس إلى الجانبين أصغر مقداراً أو أقل عدداً وذلك لأن مفصل حركة الرأس يميناً وشمالاً سلس وسبب ذلك أنه يحدث من زائدتين من عظام الرأس تدخل في نقرتين من الفقرة الأولى، ولا كذلك مفصل حركته قداماً وخلفاً، فإنه يحدث بدخول طرف السن في نقرة الأولى ولا كذلك مفصل فلو لم يكن أكثر إيثاقاً لعرض له الخلع كثيراً وإذا كان المفصل سلساً كانت حركته سهلة فيقوم بها العضل القليل العدد والمقدار مقام الكثير العدد والمقدار ولا كذلك ما كان من المفاصل إلى الوثاقة وجعل عدد هذه العضلات أربعاً لأنها لو كانت اثنتين فقط، لكان يجب أن يكون موضعها ما بين مقدم العنق ومؤخره على السواء، ولو كان كذلك لكان الرأس إذا حرك إلى أحد الجانبين يبقى حينئذٍ قلقاً ربما مال إلى قدام وخلف وأكثر ميله حينئذٍ هو إلى قدام لزيادة ثقل مقدم الرأس فاحتيج أن يخلق من كل جانب عضلتان.
إحداهما: في طرف ذلك الجانب من قدام والأخرى في طرفه من خلف حتى إذا تحرك الرأس بهما إلى ذلك الجانب بقيت كل واحدة منهما مانعة من حركته حينئذٍ إلى ضد جهتها فتكون التي إلى خلف مانعة من حركته نحو قدام والتي إلى قدام مانعة من حركته إلى خلف. وجعلت التي في الطرف الذي إلى خلف أصغر لأنها تصل بين الرأس والفقرة الأولى فقط والتي في الطرف الذي يلي إلى قدام أعظم لأنها تصل بين الرأس والفقرة الأولى والثانية. وذلك لأن المحرك ينبغي أن يكون على نسبة قدر المتحرك، ومؤخر الرأس أصغر كثيراً من مقدمه، والمتحرك من جهة ينبغي أن يكون أصغر من المتحرك من جهة المقدم. والله أعلم بغيبه.
الفصل العاشر
تشريح عضل الحنجرة
والكلام في هذا الفصل يشتمل على ثلاثة مباحث: البحث الأول تشريح الحنجرة قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الحنجرة عضو غضروفي ... إلى قوله: وعند الحنجرة وقدامها عظم مثلث.