ومعلوم أن الغرض ليس هو كذلك بل أن يكون العظم على مقدار من القوة التي يحتاج إليها في ذلك، بل السبب في ذلك ما قلناه، وهو أن غلظ الطرفين احتيج إليه ليمكن حدوث المفصل فيهما وغير ذلك من الأغراض، وأما غظ الوسط فلا يحتاج إليه لأن هو متنف في الوسط، وقد جعل الشيخ السبب في غلظ طرفي هذين الزندين أموراً: أحدها: حاجتها أي حاجة الأطراف إلى كثرة نبات الروابط منها، وذلك لأن الموضع الغليظ أو سع لنبات ما ينبت منه من الدقيق.
ثانيها: كثرة ما يلحق الأطراف من المصاكات والمصادمات العنيفة عند حركات المفاصل، وخصوصاً عند الحركات القوية كما عند اللكم ونحوه.
وثالثها: تعري الأطراف من اللحم والعضل فلو جعلت مع ذلك دقيقة لاختلف ثخن العضو فكان وسطه غليظاً لأجل ما عليه من اللحم والعضل. وطرفاه رقيقين لتعريه منهما. ولكن هاهنا سؤال: وهو أنه لقائل أن يقول: إن تعري الأطراف عن اللحم إنما كان لأجل غلظ عظامها حتى لا يكون طرفا العضو غليظين، ووسطه دقيقاً، وحتى لا يكون الأطراف مع غلظ عظامها ملبسة باللحم كثيراً والعضل، فيعرض من ذلك ثقل الطرفين جداً. وإذا كان كذلك فلم قلتم إن العظام إذا كانت عند الأطراف مساوية في الثخن كما عند الوسط أن يكون اللحم والعضل يكون فيها على ما هو الآن؟ وذلك لأن المانع من تلبيس الأطراف حينئذ باللحم والعضل يكون قد ارتفع، وذلك يمنع من اختصاص اللحم والعضل بموضع الوسط. والله أعلم.
الفصل العشرون
تشريح المرفق
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما مفصل المرفق فإنه يلتئم من مفصل ... إلى أخره الشرح مفصل المرفق تتم به حركتان: إحداهما حركة انبساط اليد وانقباضها.
والأخرى حركة التوائها وانبطاحها.
وهاتان الحركتان محال أن تكونا بمفصل واحد غير مركب من مفصلين أحدهما يتم به انبساط اليد وانقباضها وثانيهما: تتم به حركة اليد في التوائها وانبطاحها وذلك لأن حركة الانبساط والانقباض تتم بمفصل الزند الأسفل مع العضد وذلك بأن يجعل طرفه مقعراً ما بين قدام الزند وخلفه، ومع ذلك فيدقق هذا الطرف من جانبه الوحشي ومن جانبه الأنسي حتى يصير لهذا الطرف زائدتان من خلف وقدام تبتدئان من غلظ إلى رقة وتنتهيان عند رأسين دقيقين جداً، وذلك ليكونا على هيئة النقرتين التين على طرفي الجزء الذي بين زائدتي عظم العضد اللتين في طرفه الأسفل، وقد علمت أن ذلك الجزء محدب على هيئة البكرة إلا أنه متسع قليل العمق، وهذا التقعير الذي في طرف الزند الأسفل يركب على ذلك الجزء الذي في طرف العضد فتبقى الزائدتان اللتان على طرف هذا الزند مواجهتين للنقرتين التين في طرف العضد إلا أنهما لا يدخلان فيهما بل إنما يدخل منهما هناك واحدة دون الأخرى عند حركة الساعد إلى جهة تلك النقرة. فإذا انبسطت اليد دخلت الزائدة التي خلف الزند في النقرة التي قدام العضد. وأما في غير هاتين الحركتين فتكون الزائدتان خارجتين عن الحفرتين لا تصلان إليهما. وأما حركة التواء اليد وانبطاحها فيتم بالمفصل الذي بين الزند الأعلى وبين العضد، وذلك لأن الزند الأعلى طرفه الأسفل كبيراً ويحدث في آخره حفرة غير غائرة مستديرة تدخل في تلك الحفرة الزائدة الوحشية المستديرة التي ذكرناها في طرف العضد أعني الطرف السافل. وهذه الحفرة واسعة بالنسبة إلى تلك الزائدة حتى يكون بينهما انفراج وكذلك الجزء يدخل فيه تقعير الزند الأسفل وهو أو سع من ذلك الطرف المقعر حتى يبقى ذلك الطرف غير مماس للزائدتين اللتين عن جنبي ذلك الجزء والغرض بهذا تأتي الحركتين كل واحدة منهما مع إمكان الأخرى وذلك مما لا يمكن إذ كانت كل واحدة من الحفرة والجزء على قدر الوالج فيهما فقط، فهكذا يجب أن يفهم الحال في مفصل المرفق.
وأما المفصل الذي في الطرف السافل من الزندين فإنه يتصل بكل واحد منهما لاحقة محدبة إلى الوحشي، مقعرة إلى الأنسى، ولاحقة الزند الأعلى نحو الإبهام، ولاحقة الزند الأسفل نحو الخنصر، ورأسهما يتحدان كشيء واحد، ويحدث في طرف ذلك حفرة واسعة أكبرها في الزند الأسفل، وما يفصل عن الانحناء يبقى محدباً مملساً. وهذه الحفرة يدخل فيها طرف عظام الرسغ فيكون من ذلك مفصل الرسغ كما نبينه، وللزند الأسفل زائدة تسمى المسلة تخرج من وراء الحفرة.