للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان لنا جار توفيت زوجته عن طفل رضيع. ولم يكن له جدة يتخذها مرضعة. فتولد اللبن في ثديه. وكان إذا عصر ثديه خرج منه لبن كثير. وكان لبعض كبراء أهل دمشق أتان توفيت بعد أن وضعت جحشاً، وعنده بغلة. فدر لتلك البغلة لبن كثير يجري من ثدي تلك البغلة. فكان إذا ركب تلك البغلة، وأخذ الجحش خلفها يستحي من الناس، وإذا ترك الجحش في الاصطبل صار اللبن يجري من ثدي تلك البغلة وهي تمشي تحته، وهو مستح من الناس. فلم يكن له إلا أن ترك ركوب تلك البغلة إلى أن فطمت الجحش. ومن خواص الإنسان أن ثدييه في صدره، وثديا الفيل يقربان من صدره. وثديا غيره يقرب من الرحم، وسبب ذلك أن قرب الثدي من الرحم أولى ليكون وصول المادة إليه من الرحم في حال الحمل أسهل. وطفل غير الإنسان يتمكن من الارتضاع من ثدي أمه وهو بقرب الرحم فلذلك وجب أن يخلق الثدي هناك في غير الإنسان من الماشية وغير ذلك. وأما الإنسان فإن ذلك تعذر فيه لأن طفل الإنسان لا يقوى على القعود ولا على القيام عقيب الولادة بل إنما يقوى على ذلك بعد مدة يعتد بها، وفي تلك المدة لا يتمكن من الارتضاع من الثدي إذا كان كما في الماشية. لأنه في تلك المدة يكون مستلقياً، فإنما يسهل ارتضاعه بأن يكون الثدي مرتفعاً عن وركي المرأة في حال قعودها بقدر يعتد به. وذلك بأن يكون في الصدر فإنه حينئذٍ يسهل دخول الحلمة في فم الطفل إذا كان مستلقياً على وركي أمه. وتختلف الحيوانات في عدد أثدائها لاختلافها في عدد الأولاد فيكون عدد الثدي في كل حيوان بعدد أكبر ما يولد لها في العادة. وأكثر ما للإنسان في العادة ولدان، فلذلك يكون له ثديان فقط. وأما الكلاب فأكثر عدد يولد لها عادة هو ثمانية، ولذلك لها ثمانية أثداء. قوله: لحم غددي لا حس له، أبيض اللون ولبياضه إذا تشبه به الدم أبيض.

هذا الكلام لا يصح. وذلك لأن اللحم الغددي وإن كان أبيض غير شديد بل يميل إلى الحمرة قليلاً والدم إذا شبه بهذا اللحم فإن كان التشبه به تاماً صار لو نه أبيض إلى حمرة لبياض ذلك اللحم، وإن كان ذلك التشبه أقل، كانت الحمرة أغلب لأن لو ن الدم يكون بطلانه حينئذٍ أق، واللبن كذلك فإن بياضه شديد جداً بل العلة في بياض اللبن هو ما يحدث له من الزبدية بسبب ما يعرض له من الغليان في الثدي، والزبدية يلزمها البياض على ما عرف في العلوم الأصلية. والله ولي التوفيق.

فصل

تشريح المريء والمعدة

<<  <   >  >>