إن الحيوان يخالف النبات في أمر الغذاء من وجوه المحتاج إلى ذكره ها هنا وجهان: أحدهما: أن الحيوان ليس يتناول الغذاء دائماً، فإنه يشتغل عنه بالنوم وبتحصيل مادة الغذاء ونحو ذلك. وثانيهما: أنه يتناول الغذاء بالإرادة وبالشهوة، ولا يقتصر على ما هو في نفس الأمر النافع بل على ما تدعو إليه الشهوة. ولا كذلك في النبات فإنه دائماً يجتذب الغذاء من الأرض، وإن كان هذا الجذب قد يضعف في بعض الأزمان كما في الشتاء. فإن النبات في الشتاء يقل جذبه للغذاء إنما هو بالطبع، وبالجذب الطبيعي، وأما دوام التحلل فهو مشترك بين الحيوان والنبات. ولما كان التحلل في الحيوان دائماً وورود الغذاء ليس دائماً فلا بد من أن يكون في أبدان الحيوان مادة معدة لتغذيته أو لاً فأولا حتى لا تجف أعضاؤه إلا أن يرد الغذاء إليه من خارج، وهذه المادة لا بد أن تكون صالحة لتغذية أعضاء الحيوان، وإنما يكون كذلك إذا كانت مركبة فإن الأجسام البسيطة لا يمكن أن تغذوا لأعضاء، ولا أن يتكون منها عضو أو جزء عضو لذلك لا بد من أن تكون هذه المادة جسماً مركباً، ولا بد من أن يكون مع ذلك ذا رطوبة يسهل انفعالها واستحالتها إلى جواهر الأعضاء. ولا بد من أن يكون مع ذلك سيالة حتى يتمكن من التحرك إلى كل واحد من الأعضاء الملاقية، فيتمكن ذلك العضو من إحالتها إلى طبيعته، وهذه المادة هي الأخلاط، فإذاً لا بد من أن يكون في أبدان الحيوان أخلاط. لكن هذه الأخلاط تقل في بعض الحيوان كما في السمك ويكثر في بعضها كما في الإنسان والفرس ونحو ذلك. والأخلاط لا يمكن أن تكون حاصلة في بدن الحيوان من أو ل زمان الخلقة إلى أن يفسد من غير أن تكون مستمدة من أجسام أخر يرد إليها من خارج فإن بدن الحيوان عند أو ل الخلقة لا يمكنه أن يتسع لما يكفي في تغذيته زماناً فيه تتم خلقته، فإن بدنه حينئذٍ يكون لا محالة أصغر من ذلك بكثير فكيف تكون فيه ما يكفي لهذه التغذية مدة عمر الحيوان، فلذلك لا بد من أن تكون هذه الأخلاط تستمد من أجسام أخر ترد إليها من خارج وتستحيل طبيعته إلى طبيعة تلك الأخلاط فإن من المستحيل أن يوجد في خارج البدن أخلاط حاصلة بالفعل حتى يمكن ورودها إلى أبدان الحيوانات، ويكون منها أخلاط بدون أن تستحيل على حالها التي هي عليها وهي في خارج البدن، فلا بد من أجسام أخر ترد إلى أبدان الحيوانات وتستحيل فيها إلى مشابهة المادة المعدة لتغذيتها، وتلك الأجسام تسمى أيضاً أغذية. وهي مثل الخبز واللحم والطعام للإنسان ولا بد أن تكون لهذه الأجسام التي تسمى أغذية في بدن الإنسان ونحوه عضو يحيلها إلى طبائع الأخلاط وذلك العضو هو الذي نسميه الكبد، وسندل على ذلك إذا بلغنا إلى تشريح الكبد. وهذه الكبد سنبين أن جذبها للغذاء لا بد أن يكون طبيعياً والجذب الطبيعي إنما يكون لما هو نافع موافق للغرض الطبيعي، وأخذ الحيوان الأجسام التي تسمى أغذية كما قلناه هو بالإرادة وبالشهوة وذلك ما لا يشترط فيه أن يكون في نفس الأمر موافقاً، فلذلك إذا أخذت الكبد منه النافع الموافق فلا بد أن يبقى منه ما ليس بموافق ولا نافع غير منجذب إلى الكبد. وهذا الشيء إن بقي في البدن دائماً فسد وأفسد الأخلاط وغيرها. فلا بد من أندفاعه وخروجه من البدن، وإنما يمكن ذلك بعد تمييزه عن الطبيعي والنافع. وإنما يمكن ذلك بعد أن يفعل فيه عضو آخر فيحيله إلى حالة يتمكن الكبد من جذب النافع منه دون غيره، وذلك العضو هو المعدة فإذا لا بد في اغتذاء الإنسان ونحوه من أن يكون له معدة يهضم الأجسام التي تسمى أغذية فتحيلها إلى حالة يتمكن الكبد بسببها من تخليص موافقها من غيره فتجتذب ذلك الموافق وتخطي من غيره فيحتاج إلى دفعه، وهذه المعدة لا يمكن أن تكون موضوعة عند الفم حتى يمكن أن ترد إليها الأجسام الغذائية من الفم من غير توسط يقبلها من الفم ويؤديها إلى المعدة. وذلك لأن المعدة لو كانت موضوعة هناك لكانت الكبد إذا أخذت النافع من تلك الأجسام احتاجت المعدة إلى دفع ما يبقى من الفضلات إلى أسفل لتخرج من مخارج الفضول التي بينا مراراً أنها لا بد من أن تكون في جهة مقابلة لجهة مورد الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون في أسفل البدن فكانت تلك الفضول في اندفاعها لا بد من أن تمر على القلب إذ قد بينا أنه لا بد من أن يكون موضوعاً في الصدر، وكان يلزم ذلك