وسبب ذلك أن خروجهما مستقذر لأجل كراهيتهما، فلو كان بالطبع لم يؤمن خروجهما في وقت أو حال يفتح ذلك فيهما، ولا كذلك العرق والوسخ ونحوهما.
وأما المني، فإن خروجه وإن كان طبيعياً فهو موقوف على الأكثر على أمر إرادي وهو فعل ما يوجبه كالجماع ونحوه.
وهذه العضلة لحمية وأكثرها في اسفل العنق لأن الأجزاء العالية بطبعها تهبط إلى أسفل، فيكتفي فيها بشيء يسير من انضمام وبالعكس من ذلك الأجزاء السافلة، وهذه العضلة مع منعها خروج البول بغير إرادة فهي أيضاً تعين على خروج ما يمر بها منه بعصره. والله ولي التوفيق.
الفصل الرابع والعشرون
تشريح عضل القضيب
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه العضل المحرك ... إلى آخر الفصل.
الشرح إن خروج المني لم يجعل طبيعياً صرفاً، وإلا لم يمكن خروجه مرتبطاً بحال اجتماع الذكر والأنثى للإحبال، ولم يجعل أيضاً إرادياً صرفاً، وإلا كان الإنسان وغيره من الحيوانات يستكثر الجماع فوق حاجته لأجل التلذذ فيضر به، ولا كذلك البراز والبول ونحوهما فإن خروجهما غير ملذ لذة خروج المني. فلذلك جعل خروج المني متوقفاً على الأمرين. ولكل واحد منهما إعانة على تحقيق الآخر. فلولا توقفه على الأمر الطبيعي لأمكن الاستكثار منه بأي قدر أريد وفي أي سن أريد. ولولا توقفه على الإرادة لكان يكثر خروجه في غير الوقت المراد فيه الجماع ولولا أن الأمر الطبيعي محرك للإرادة لما كان المني يقل في المعرض عن الجماع ويكثر في المكثر من استعماله.
وهذا التوقف على الأمرين غير مختص بخروج المني إذ الجماع نفسه كذلك وتهيؤ الآلة له أيضاً بالانتصاب فلذلك افتقر إلى أن يكون تحريك هذه الآلة موقوفاً على عضل يحركها. وهذا العضل مع أنه يعين على نصب هذه الآلة، فإنه يوسع مجرى المني بجذبه ظاهر القضيب إلى جوانبه. لأن المجوف إذا انجذب محيطه من جوانبه اتسع تجويفه لا محالة، ولما لم يكن انتصاب هذه الآلة إرادياً صرفاً لا جرم كانت هذه العضلات غير كافية فيه معها إلى ريح ناقحة تسوقها روح شهو أنية يصحبها دم ليغذوها، فلأجل هذه الريح يغلظ القضيب عند الانتصاب. ولأجل هذه الروح يسخن، ولأجل هذا الدم يحمر ويزرق.
قوله: فإذا تمددتا يريد بهذا التمدد التشنج خاصةً. والله ولي التوفيق.
الفصل الخامس والعشرون
تشريح عضل المقعدة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه عضل المقعدة أربع ... إلى آخر الفصل.
الشرح قد بينا أن خروج البراز والبول يجب يكون إرادياً فلذلك يحتاج فيهما إلى عضلات. وكلاهما إنما يحصل بخروج الخارج باسترخاء العضل الذي له، ولكن يختلفان، وذلك لأن البول اكتفى فيه بعضلة واحدة، فاحتيج في البراز إلى عضلات، وذلك أن المراد بهذه العضلات هو حبس الفضلة عن الخروج في غير الوقت المراد خروجها فيه، وذلك يكفي في البول أن تكون عضلة واحدة، لأن مجراه إلى فوق الوعاء الذي له وهو المثانة. ومع ذلك غير شديد التمديد لمجراه لرقته، وقلة ثقله.
وأما البراز فمجراه إلى أسفل، وغاية الذي هو المعاء المستقيم ومع ذلك فهو كثير الثقل، شديد التمديد للمجرى بالغلظ والثقل، فلذلك احتيج في حبسه إلى عضلات كثيرة، وإنما يمكن خروجه باسترخائها بأسرها، فإن قيل: ولم خلق مجرى البول إلى فوق المثانة مع أن ذلك أعسر لخروجه؟ قلنا: سبب ذلك لأن فم هذا المجرى لا بد وأن يكون حساساً حتى يتألم بحدة البول فيخرج إلى إرادة دفعه، فلو كان في أسفل المثانة لكان يحصل هذا الألم من أدنى بول يحصل في المثانة، فكان الإنسان يحتاج إلى دفع البول قليلاً قليلاً في أو قات متقاربة. وكان الحال يكون كما يكون لأصحاب تقطير البول ولا شك أن ذلك رديء شاغل. وإنما لم يخلق مخرج البراز إلى فوق أيضاً كما للبول وذلك لأمور: أحدها: إن إصعاد الثقيل عسر، فكان يكون خروج البراز عسراً وخاصة إذا كان قد غلظ وجف.
وثانيهما: أن جرم المعاء الذي كان يجتمع فيه البراز كان يعرض له فساد لأجل إفراط حدة البراز، وإنما كان أكثر حدة من البول لما يخالطه من المرار الكثير الذي يندفع إليه من المرارة، ولأجل عفنه لطول احتباسه في تجاويف الأمعاء إلى أن تستوفي من ذلك الجداول مصبها.