للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدها أن هذا الغشاء يحتاج فيه أن يكون قليل الانفعال وإنما يكون كذلك إذا كان قوي الجرم، وإنما يكون كذلك إذا كان صلباً، وإنما يكون كذلك إذا كان يابساً. وإنما احتيج أن يكون قليل القبول للانفعال ليكون صبوراً على ملاقاة ما ينزل في هذه القصبة من المواد الحادة التي تنزل من الدماغ، وسبب حدة هذه النوازل إما شدة عفونة المادة أو كثرة مخالطة المواد لها، فإن فضول الدماغ يجب أن يكثر فيها المرار، لكن المادة الواصلة إليه لتغذيته لا بد من أن تكون كثيرة المرار، وإلا لم يسهل تصعدها إلى الدماغ واغتذاء الدماغ إنما هو بالأجزاء الرطبة الباردة من تلك المادة ولذلك تبقى المواد الحادة المخالطة لما يفضل عن غذائه كثيرة جداً. فلذلك كثيراً ما تكون النوازل من الدماغ حادة جداً، ومن جملة النوازل ما ينزل إلى تجويف هذه القصبة.

وثانيها: أن هذا الغشاء يحتاج أن يكون إلى صلابة ليقل تضرره لما يتصعد فيه من الدخانية التي تخرج مع الهواء المتردد في التنفس وليقل أيضاً قبوله لتمديد النسيم الكثير الداخل فيه فلا يعرض له من انشقاق ونحوه عندما يعرض حين اشتعال القلب في الحميات المحرقة وغيرها من جذب هواء كثير للتنفس.

وثالثها: ليكون الصوت الحادث بقرع الهواء الخارج بقوة قوياً فإن قوة الصوت بقرع الأشياء الصلبة أكثر من قوته بقرع الأشياء اللينة.

قوله: وكذلك أيضاً من ظاهره وعلى رأسه الفوقاني الذي يلي لفم الحنجرة قد بينا السبب في صلابة الغشاء الباطن من غشاءي القصبة. وأما السبب في صلابة الغشاء الظاهر عند آخر هذه القصبة من فوق وذلك حيث يلي الحنجرة من أسفلها فذلك لأن هذا الموضع فيه لسان المزمار، وهو كثير الضيق فاحتيج إلى هذا الضيق لينحصر عنده الهواء النافذ من أسفل هذه القصبة إلى أعلاها بقوة وهو الهواء الذي يتزايد به الصوت ويلزم ذلك أن يكون عند خروجه من هذا الموضع إلى فضاء الحنجرة بقوة ويلزم ذلك شدة قرعه لجرمها، وسبب هذا الانحصار أن باقي هذه القصبة كثير السعة فيكون الهواء الخارج فيه بقدر تجويفها فإذا بلغ هذا الموضع صادف هناك الضيق ولم يتسع لذلك الهواء وانحصر فيه وما يصعد بعده يدفعه للخروج وإذا خرج من ذلك الموضع صادف تجويفاً متسعاً وهو تجويف الحنجرة ومن شأن ما ينفذ من سعة إلى مضيق ومن ذلك المضيق إلى سعة أن يكون نفوذه في ذلك المضيق اشد وأقوى كما تبين في العلوم الأصلية فلذلك يكون قرع هذا الهواء لجرم الحنجرة بقوة قوية، ويلزم من ذلك قوة الصوت وإنما سمي هذا لسان المزمار لأنه يشبه ما يسمى في المزمار لساناً، وهو الموضع المستدق الذي بين أنبوبة رأسه الغليظ.

ولما كان هذا الموضع ضيقاً بالنسبة إلى باقي قصبة الرئة فالهواء الواصل إليه من القصبة لا بد وأن يشتد تمديده لجرمه طلباً لتوسيع المكان له فلو لم يكن الغشاء الخارج في ذلك الموضع الملبس عليه من خارج صلباً قوياً يقوى ذلك الهواء على توسيعه بقوة تمديده له فتبطل لذلك فائدته أو تنقص فلذلك احتيج أن يكون الغشاء الخارج في ذلك الموضع شديد الصلابة بالنسبة إلى باقي الغشاء الخارج الذي لهذه القصبة.

<<  <   >  >>