وأما الرئة فإنها مؤلفة من أجزاء ... إلى قوله: وهو شديد التعلق به والالتحام.
الشرح أما حاجة الرئة إلى الوريد الشرياني فلأن ينقل إليها الدم الذي قد لطف وسخن في القلب ليختلط ما يترشح من ذلك الدم من مسام فروع هذا العرق في خلل الرئة بالهواء الذي في خللها ويمتزج به من الجملة ما يصلح لأن يكون روحاً إذا حصل ذلك المجموع في التجويف الأيسر من القلب وذلك باتصال الشريان الوريدي لذلك المجموع إلى هذا التجويف، وأما ما يبقى من ذلك الدم فيكون في داخل فروع هذا الوريد الشرياني وينفذ من فوهاتها إلى جرم الرئة فإن يكون أغلظ من ذلك الدم الذي يرشح وأكثر مائية فلذلك يصلح لغذاء الرئة فلذلك هذا الوريد الشرياني مع أنه يوصل إلى الرئة غذاءها يوصل إليها الدم الشديد الرقة الصالح لأن يصير منه ومن جرم الهواء مما يمد الروح الحيواني وأما حاجة الرئة إلى الشريان الوريدي فإنه ينفذ فيه هذا الهواء المخالط لذلك الدم ليوصله إلى التجويف الأيسر من تجويفي القلب فيصير ذلك المجموع روحاً، وأنه ينفذ فيه ما فضل في هذا التجويف من ذلك المجموع فلم يصلح لأن يتكون منه روح وما فضل فيه من الهواء الذي سخن وبطلت فائدته في تعديل الروح والقلب واحتيج إلى إخراجه ليتسع المكان لما يدخل بعده من الهواء إما وحده وإما مخالطاً للأجزاء الدموية الشديدة اللطافة وليوصل ذلك إلى الرئة فيخرجه عند ردها النفس وأما حاجة الرئة إلى جرم الرئة من الهواء المجذوب في القصبة ولأن يخرج ما يفضل في الرئة من ذلك الهواء وما يفضل فيها من الرطوبات والدم ونحو ذلك فيخرج بالسعال نفثاً. وأما حاجة الرئة إلى اللحم فلأن يملأ الخلل الواقع بين هذه الأعضاء ويكون من جملة ذلك عضو واحد واحتيج أن يكون لحماً ليكون قريباً من الاعتدال بخلاف الشحم والسمين ونحوهما، واحتيج أن يكون هذا اللحم رخواً لئلا يمانع عن سهولة انبساط الرئة وانقباضها الذين لا بد منهما في التنفس وإنما يكون اللحم رخواً إذا كان كثير الرطوبة وإنما يكون كذلك إذا كانت المائية فيه كثيرة. وإنما يكون كذلك إذا كان غذاء الرئة من دم مائي وكذلك فإن الدم الواصل إلى القلب لا بد وأن يكون كثير المائية واللطيف منه الهوائي يصير روحاً والقلب إنما يغتذي بالمتين الكثير الأرضية فلذلك تبقى المائية لغذاء الرئة فلذلك قول من قال: إن غذاء الرئة بدم صفراوي مما لا صحة له البتة وكذلك تحتاج الرئة أن يكون لحمها متخلخلاً وذلك ليكون كثير المسام واسعها والغرض بذلك أن تمتلئ الفرج التي في جرمها هواء فتعدل بذلك الهواء ويخرج مما يرشح إلى جرمها من الدم اللطيف الهوائي الذي لا يصلح لغذاء الرئة، ولكنه يصلح لأن يخالط ذلك الهواء يحدث من مجموعهما جرم يصلح لأن يستحيل في القلب دماً ولما كان بين جانبي الإنسان أكثر كثيراً مما بين خلفه وقدامه خاصة في صدره وجب أن تكون الرئة مقسومة بقسمين أحدهما يذهب يميناً والآخر يذهب شمالاً ليكون ملؤها للجانبين وانقسامهما فيهما على السواء فلذلك يجب أن يكون هذان القسمان لفضاء الصدر، وليس في اليمين هذا أيضاً لا يصح.
وذلك لأن ميل القلب إلى الشمل، إنما هو عند رأسه المستدق، وذلك يسير جداً، ومع ذلك فإن هذا الميل هو في أسافل الصدر، وانقسام الجانب الأيمن من الرئة، إلى الأقسام الثلاثة هو في أعالي الرئة فلا يكون القسم الخامس الذي يراد به الجانب الأيمن على اليسر واقعاً في الموضع الذي أخلاه القلب بانحرافه إلى الجانب الأيسر.
قوله: والصدر مقسوم إلى تجويفين بلا شك بأن الصدر يغشيه من داخل غشاء وهو في الحقيقة غشاءان أحدهما في يمين الصدر، والآخر في يساره وإذا التقى طرف كل واحد منهما بطرف الآخر من قدام ومن خلف افترقا بعد ذلك فيمر الأيمن في الجانب الأيمن ويلقى الوسط إلى أن يتصل بطرفه الآخر المقابل لذلك الطرف. وكذلك يمر الأيسر في الجانب الأيسر ويلقى الوسط، ونفوذ كل واحد منهما في جانبه ليس على الاستقامة فإنهما جميعاً ينتحيان عن موضع القلب وغلافه فلا يمر واحد منهما بجرم القلب وإلا كان يخرقه فلذلك يبقى القلب وغلافه بين هذين الغشاءين فينقسم الصدر بذلك بنصفين، والقاسم له غشاءان يفترقان عند موضع القلب ويتلاقيان في غير ذلك الموضع.