إن فعل القلب كما بيناه أو لاً: أن يولد الروح الحيواني ويوزعه على الأعضاء لتحيا، وتوليده ذلك بأن يسخن الدم ويلطفه حتى إذا خالطه بما في الرئة من الهواء صلح ذلك المجموع لأن يصير روحاً حيوانياً. وذلك إذا حصل في القلب فلا بد من أن يكون له تجويف يحوي الدم الذي يحتاج إلى تسخينه وذلك بما يحدث فيه من الغليان الذي يلزمه تخلخل الجرم وانبساطه فلذلك لا يكفي في ذلك أن يكون ذلك الدم محوياً في العروق لأن العروق لا تتسع لهذا الانبساط الذي يحتاج إليه لأجل ترقق القوام جداً، فلا بد من أن يكون له تجويف آخر يحوي الروح الحيواني ومنه ينفذ في الشرايين إلى جميع الأعضاء وهذه الروح لا بد من أن تكون شديدة اللطافة هوائية فهي لا محالة مستعدة لسرعة التخلخل فلا بد من أن يكون القلب يمدها كل وقت بالغذاء وغذاؤها لا بد من أن يكون هوائياً يغلب على جوهره الجوهر الهوائي وإنما يمكن ذلك بمخالطة الأجزاء اللطيفة جداً الدموية لجوهر كثير هوائي وامتزاج ذلك المجموع وانطباخه حتى يستعد لأن يصير في القلب روحاً. وهذا الانطباخ والامتزاج لا يمكن أن يكون أو لاً في القلب فاستبين أن القلب دائماً في انبساط وانقباض وذلك ينافي بقاء ذلك الجرم فبه مدة في مثلها تمتزج وتنطبخ فلا بد من أن يكون ابتداء هذا الانطباخ والامتزاج في عضو آخر حتى إذا حصل له الاستعداد الذي به يقرب من طبيعة الروح نفذ إلى التجويف المملوء من الروح الذي في القلب فاستحال في ذلك التجويف إلى مشابة تلك الروح، وكان منه اغتذاؤها، وهذا العضو الذي يفيد هذا الاستعداد لا بد من أن يكون مشتملاً على هواء كثير يخالطه ما يلطفه القلب من الدم حتى يصير من مجموع ذلك مادة تصلح لتغذية هذا الروح فلا بد من أن يكون بالقرب من القلب فإنه لو كان بعيداً عنه لقد كان الرقيق من الدم النافذ إليه من القلب قد يبرد في المسافة الطويلة ويكثف فتبطل لذلك لطافته، وكان لم ينفذ من ذلك العضو من الهواء الخارج لتلك الأجزاء الدموية الذي استعد لتغذية الروح إلى أن يصل إلى القلب ويبرد ويفارقه ذلك الاستعداد فلذلك لا بد من أن يكون هذا العضو الذي يستعد فيه هذا المجموع لتغذية الروح مع كثرة الهواء فيه هو أيضاً بقرب القلب وذلك العضو هو الرئة فلذلك لا بد من أن يكون اغتذاء الروح الذي في القلب بأن يلطف الدم في القلب ويرق قوامه جداً ثم بعد ذلك ينفذ في الرئة ويخالطه ما فيها من الهواء وينطبخ فيها حتى يتعدل ويصلح لتغذية الروح ثم بعد ذلك ينفذ إلى الروح الذي في القلب ويختلط به ويغذوه وهذا الموضع الذي هو في القلب وفيه الروح لا بد من أن يكون متسعاً ليتسع بمقدار كفاية البدن كله من الروح فلذلك لا بد من اشتمال القلب على تجويف مجرى الدم، ويتلطف فيه ذلك الدم، وتجويف آخر يحوي الروح ومن ذلك التجويف ينفذ الروح إلى جميع الأعضاء ولا بد من أن يكون التجويف الذي فيه الدم بالقرب من الكبد الذي فيه يتكون الدم، وذلك بأن يكون في الجانب الأيمن من القلب، فإن موضع الكبد هو في الجانب الأيمن من البدن فلا بد من أن يكون التجويف الحاوي للروح هو في الجانب الأيسر من القلب ويجب أن يكون هذا التجويف الأيسر أكثر سعة من التجويف الأيمن لأن الدم الذي يخالط الهواء ويمتزج فيه يكفي فيه أن يكون قليل المقدار جداً لأن الغالب على هذا الروح يجب أن يكون هو الهواء نفسه فلذلك هذا الدم الذي يحتاج إلى تلطيفه في القلب لا يحتاج فيه أن يكون كثيراً جداً، وأما الروح الذي في الجانب الأيسر، فإنه يجب أن يكون كثيراً جداً ليفي بالانتشار في جميع الأعضاء فلذلك يحتاج أن يكون مكانه كثير السعة فلا بد من أن يكون هذا التجويف مع سعته عميقاً. ويلزم ذلك أن يكون القلب طويلاً ليتسع لعمق هذين التجويفين ولا بد من أن يكون فيه موضع كثير السعة ليتسع لهذين التجويفين ويجب أن يكون هذا الموضع الكثير السعة من القلب هو في أعلاه ليكون كل واحد من التجويفين بقرب الرئة فيسرع إليها وصول الدم الذي قد تلطف في التجويف الأيمن ويسرع إلى القلب نفوذ ما استعد في الرئة لتغذية الروح لينفذ بسرعة إلى التجويف الأيسر فلذلك يجب أن يكون أو سع موضع في القلب هو في أعلاه، وأما أسفله فيجب أن يكون رقيقاً لفقدان هذين التجويفين هناك. ولأن الغلظ هناك فضل غير محتاج إيه، ومع ذلك يضيق المكان على