إنا قبل الكلام في تعريف الكبد نقدم مقدمة نبين فيها وجه الحاجة إلى الكبد فنقول. قد بينا مراراً كثيرة أن الحاجة إلى خلقة الكبد هي أن تحيل الغذاء إلى مشابهة جوهرها فيصير لذلك دماً وخلطاً وذلك بعد استعداده في المعدة لذلك. وذلك لطبخ المعدة له وإحالتها إياه إلى حالة يشابه جوهرها مشابهة ما، فتصير بذلك مع أنه أقرب مشابهة لجوهر المعدة مما كان أو لاً لأنه هو أيضاً أقرب مشابهة لجوهر الكبد فلذلك تقرب استحالته إلى مشابهة جوهر الكبد وذلك إذا فعلت فيه بصورتها النوعية فإن الأجسام في هذا العالم جميعها تتفاعل إذا تلاقت وذلك بأن يفعل كل واحد منها في مادة الآخر فعلاً يقرب تلك المادة إلى مشابهة جوهره ولذلك إذا تلاقت العناصر تفاعلت ولزم ذلك حصول المزاج وبيان هذا أن مادة أجسام هذا العالم جميعها واحدة وإنما تختلف في الأجسام باختلاف حالها من الصور، وكل صورة في جسم فإن من شأنها أن تجعل المادة التي هي قائمة بها على الكيفيات التي بها تكون تلك المادة شديدة الملاءمة لتلك الصورة حتى تكون تلك الصورة حينئذٍ أثبت في تلك المادة مثال ذلك الماء فإن صورته من شأنها أن يجعل مادته باردة رطبة وتلك المادة بذلك شديدة المناسبة لصورته حتى إن تلك المادة ما دامت كذلك استحالت أن تفارقها تلك الصورة وإذا حدث لها قاسر يخرج له عن طبيعته كالنار مثلاً إذا سخنته فإن تلك السخونة إذا كانت شديدة جداً أعدت مادته لقبول تلك الصورة الهوائية واستحال ذلك الماء هواء. وإن كانت تلك السخونة أضعف من ذلك الماء لو يفارق صورته لمادته ولكنها تكون في طريق أن يفارق وذلك إذا تزيدت الماء سخونة ثم إذا بطل تأثير ذلك القاسر، وكان الماء لم يفارق صورته لمادته كانت تلك الصورة حينئذٍ مجتهدة في إبطال تلك السخونة لتزول عن مادته التأهب لأن يفارق صورته ومع ذلك فلا يقتصر على إبطال تلك السخونة فقط بل تحيله مع ذلك إلى الكيفية المناسبة لصورته حتى يصير بارداً رطباً ومادة جميع هذا العالم واحدة فإن المادة التي في النار هي بعينها المادة التي في الماء لكن تلك تصورت بصورة النار وهذه تصورت بصورة الماء فلذلك صورة النار تحيل المادة المصورة بصورة الماء إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة النار فتصير ناراً ومادة الماء تحيل مادة النار إلى طبيعتها فتصير مناسبة لصورة الماء فيصير ماء وكذلك الأجسام المختلفة الصور جميعها كل منها يفعل في غيره هذا الفعل وإن كان بعض الأجسام في ذلك أقوى من بعض فما كان من الأجسام قوى الكيفيات فهو أقوى على إحالة غيره إلى طبيعته من الأجسام إلى كيفياتها ضعيفة فلذلك فإن إحالة النار للماء حاراً أكثر كثيراً من إحالة الهواء إلى الحرارة وكذلك إحالة النطرون لغيره نطروناً أشد وأسرع من إحالة الماء وغيره مادة خاصة إذا كان المستحيل بصورة يعسر قبولها لصورة المحيل لو كانت الاستحالة إلى صورة المحيل عسرة جداً ولذلك فإن استحالة الماء ناراً أعسر من استحالة الأرض ناراً مع أن الأرض أشد كثافة من الماء وأبعد في ذلك عن طبيعة النار وذلك لأن الماء لأجل قوة برده، ورطوبة مادته تعسر استحالة مادته ناراً ولا كذلك الأرض فإن بردها أضعف ومادتها يابسة وكذلك استحالة الأجسام رصاصاً أسرع كثيراً وأسهل من استحالتها ذهباً. وذلك لأن الذهب إنما يتحقق بمزاج شديد وذلك مما يعسر تكيف الأجسام بمزاجه ولا كذلك الرصاص. ولذلك إذا طال مقام الرصاص في موضع ندي كبر جرمه، ولذلك يزداد بخلاف الذهب وقد يحيل جسم جسماً آخر إلى جسم بصورة ثالثة ليست لو أحد منهما فإن النار إذا سخنت الماء سخونة شديدة صار لذلك هواء وكذلك يقال إن الأكسير يحيل الرصاص فضة أو النحاس ذهباً مع أنه ليس بصورة واحد منها وذلك لأن هذا المحيل لا يحيل المادة فيكون بصورة ذلك الثالث بل لأنه يحيلها للتصور بصورته ولكنها في طريق تلك الاستحالة يستعد لصورة ذلك الثالث. والله تعالى لكرمه لا يمنع مستعداً ما استعد له. فلذلك الماء إذا تسخن بفعل النار فالنار تسخنه ليصير ناراً لكنه قبل أن يندفع إلى الحد الذي به يصير ناراً يستعد لصورة الهواء فيعطيه الخالق تعالى صورة الهواء لأجل استعداده لها.