وثالثها: أن هذا العضو لا بد من أن يختلف حاله في توجه دم الطمث إليه وذلك لأن سيلان دم الطمث إلى هذا العضو لو كان مستمراً قليلاً لتعذر الحمل دائماً أو كان ما يتفق من الحمل مع بعد يكون فيه الجنين فاسد المزاج لأجل اختلاط ما يسيل من دم الطمث بالمني الذي يدخل إلى تجويف هذا العضو بالإنزال ولو كان سيلان هذا الدم دائماً في أو قات بينها مدة طويلة لكان الجنين إلى أن يأتيه دم الطمث يجف لعدم الغذاء فلذلك لا بد من أن يكون سيلان هذا الدم إلى هذا العضو في حال الحمل مستمراً وقليلاً قليلاً على القدر الذي يحتاج إليه الجنين أو قريب من ذلك القدر، وأما في حال عدم ذلك الحمل فيكون سيلان هذا الدم بعد مدد متباعدة ويكون السائل بقدر كثير ليقوم بنقاء البدن مع طول مدة الظهر التي يجود معها الحمل.
ورابعها: أن هذا العضو لا بد من أن يكون موضوعاً بين أعضاء لينة حتى إذا عظم الجنين وزاحم تلك الأعضاء لم يتضرر بصلابتها فلذلك وضع هذا العضو بين المثانة والأمعاء إذا ليس في الأعضاء السفلية من الأحشاء ما هو لين يتحمل تمديد الجنين إذا عظم سوى هذين العضوين.
وخامسها: أن هذا العضو لا بد وأن يكون بقدر يتسع تجويفه للجنين إذا عظم فإنما يمكن ذلك إذا كان مقداره عظيماً وكذلك لابد من أن يكون له منفذ إلى خارج ليخرج منه دم الطمث وليدخل فيه المني إلى داخله ولابد من أن يكون هذا المنفذ ليس بقصير جداً فيكون هذا العضو بقرب الهواء الخارجي ولا بطويل جداً فيه فلا يسهل نفوذ المني فيه إلى داخل ذلك العضو غلا في مدة لها طول فيفسد مزاجه ويخرج بذلك عن الصلوح للتوليد. وهذا العضو هو الرحم وهذا المنفذ هو عنقه وإنما يمكن دخول المني فيه إلى داخل الرحم بإيلاج القضيب فيه. فلذلك لا بد من أن يكون مع ذلك شديد القبول للتمدد والاتساع ليمكن خروج الطفل منه عند الولادة فلذلك لا يمكن أن يكون جرمه شديد الصلابة كالعظم ونحوه ولا يمكن أيضاً شديد اللين كاللحم وإلا لكان ينحرق عند شدة تمدده ليتسع لخروج الطفل ولا بد من أن يكون مع ذلك آخذاً من الرحم إلى اسفل ليكون خروج ما يخرج منه من الأشياء التي لها ثفل أسهل.
قوله: هي الرحم وهي في أصل الخلقة مشاكلة لآلة التوليد التي للذكران وهي الذكر وما معه.
إن الفاضل أبقراط يطلق لفظ الرحم تارة على العضو الذي يتكون الجنين فيه وهو الذي ذكرنا حاله قبل وهذا العضو هو آلة التوليد في الإناث وتارة على عنق هذا العضو وهو المجرى الذي يخرج منه الحيض، ويدخل فيه القضيب وهذا هو الذي يشاكل الذكر في الذكران ويشبه ذكراً مقلوباً.
قوله: وكأن الصفن صفاق الرحم.
يريد بالرحم ها هنا العضو الذي يتكون فيه الجنين ومشابهته للصفن هو أنه كيس يحتوي على شيء في داخله لكن الذي في داخل الصفن البيضتان والذي في داخل الرحم الجنين. وإنما كانت البيضتان في الرجال خارجتين عن البدن محصورتين في الكيس الذي هو الصفن وأما في النساء فإنهما مدفونتان في الفرج كل واحدة في جانب لأن الحال لو لم يكن كذلك تعذر الإحبال وذلك لأن الإحبال إنما يتم بأن يكون إنزال الرجال مع إنزال المرأة أو يقرب زمانه جداً، ولولا أن بيضتي الرجال مخالفة لبيضتي النساء بما ذكرناه لتعذر اتفاق الإنزالين في وقت واحد، وذلك لأن مني الرجال حار المزاج حاد يسيل بأدنى شهوة ويخرج سريعاً ومني المرأة بخلاف ذلك لأنه كثير المائية قليل الحرارة جداً، فلولا بعد بيضتي الرجال وبروزهما لما كان إنزاله يتأخر إلى حين إنزال المرأة. ولولا اندفان بيضتي النساء وتسخنهما بحرارة باطن البدن لما كان إنزالهن يتقدم حتى يوافي إنزال الرجال.
قوله: ثم ينثني هابطاً متعرجاً مؤرباً ذا التفافات يتم بها نضج المني، السبب في تعريج أو عية المني في الرجال، وذلك بعد تصعدها إلى الاتصال بالمجرى الذي في أصل الذكر هو أن تكون هذه الأوعية قابلة للتمدد والزيادة في الطول. وذلك بأن تقرب من الاستقامة والغرض بذلك أن يستعجل انتشار القضيب ولا تمانعه عن ذلك تلك الأوعية لو كانت مستقيمة وأما أن هذا التعريج لأجل إتمام إنضاج المني فذلك مما لا يصح فإن المني يتم في الأنثيين وبقاؤه في هذا التعريج ليس مما يطول حتى يستفيد بذلك زيادة نضج بل يندفع منها بسرعة لئلا يفسد مزاجه بطول زمان نفوذه وهذا كما قلناه في تعريج مجرى البول.