كالدود والمحززات ونحوها. ومنها ما يكون له هناك عظام كثيرة كالأضلاع، وهذه إما أن تكون بجملتها على هيئة الاستدارة فيكون الصدر عريضاً، وذلك هو للإنسان خاصة والفيل يقرب من الإنسان في ذلك، أو لا يكون كذلك، وذلك كجميع الماشية، وإنما خلق الإنسان كذلك لأن هذا الشكل أو سع وأقل قبولاً للآفات، وإنما حرم ذلك باقي الحيوانات لأنها تحتاج إلى دقة الصدر، إما ليكون البعد بين أيديها قريباً فتتمكن من قوة الثبات عليها والمشي وذلك كذوات الأربع الماشية عليها. وإما لتستعين بذلك على جودة الطيران كما في الطيور، فإن دقة صدورها وهو الجؤجؤ يسهل عليها خرق الهواء عند الطيران، وإما لتستعين بذلك على جودة السباحة كما في السمك ولذلك جعل مقدم السفينة دقيق الأسفل جداً ليكون خرقه للماء في الحركة أسهل. وأضلاع الصدر بجملتها على شكل قريب من الكرى لما عرفته من المنافع فلذلك يكون الوسطان منها أطول من كل جانب فوق وأسفل ثلاثة متطاولة أي يبتدئ من قصر إلى طول فيكون الذي على الضلعين الطويلين أطول مما بعده، وكذلك حتى تنتهي إلى الأقصر إذ بهذه الهيئة تقرب من الكرة. ومع ذلك فمساحة الصدر ما بين قدام وخلف أقل ما بين الجانبين، وسبب ذلك أن له فيما بين الجانب من خلف عظام الصدر، ومن قدام عظام القص والأضلاع من كل واحد منها على هيئة نصف دائرة فيتسع ما بين الجانبين لا محالة لو جود الفاصلة بين رؤوس الأضلاع وهي الفقرات من خلف والقص من قدام وحكمة ذلك أن يكون ما بين الثديين كثير السعة لتكون جهات الحركات لهما متسقة، وكل واحد من الأضلاع مع كونه محدباً إلى الوحشي، مقعراً إلى الأنسي ففيه أيضاً تحديب إلى أسفل، وتقعير إلى فوق، ويأخذ في التحديب إلى أسفل من حين يفارق المفصل الذي عند الصلب ويرجع طرفه الآخر إلى فوق عند قريب مفصله مع القص، وإنما كان كذلك لأمرين: أحدهما: ليكون أطول فإن المستقيم أقصر الأبعاد، وما هو أبعد عن الاستقامة يكون لا محالة أطول، والحكمة في زيادة طوله التمكن من زيادة اتساع المكان.
وثانيهما: لتكون وقاية كل ضلع أكبر لأنه يمر في مواضع مختلفة ويوقي ما هو داخل لكل موضع منها، وثخانة كل ضلع أقل من عرضه لأن ثخانته إنما يقصد بها القوة، وما هي عليه من الثخانة كافٍ في ذلك، وأما زيادة العرض لأجل زيادة الوقاية، وذلك هو المقصود من الأضلاع، فيجب أن يكون بأعظم مقدار يمكن أن تكون عليه الأضلاع.
قوله: ويدخل في كل واحد منها زائدتان في نقرتين غائرتين في كل جناح من الفقرات تشبه أن يكون هذا غلطاً من النساخ. والصواب: أن يقال: في نقرتين غائرتين وذلك لأن الزائدتين غير طويلتين، اللهم إلا أن يكون المراد بقوله غائرتين مطلق الغور لاما هو المفهوم في عادة الأطباء. وإنما جعل هذا المفصل بزائدتين لأن الأضلاع تحتاج أن تكون لها حركة يسيرة ليتمكن اتساع الصدر والبطن عند الحاجة إلى ذلك وضيقهما عند فقدان الحاجة إلى الاتساع، فلم يمكن أن يكون هذا على هيئة اللزاق أو الدرز فإذاً: إنما يمكن أن تكون على هيئة الركز تكفي فيه زائدة واحدة، ونقرة واحدة، وإلا كان الضلع متهيئاً لأن يدور في مفصله ضرورة أن هذا المفصل غير موثق، وذلك عند ضربة تتفق على جرمه ونحو ذلك، ويلزم ذلك تضرر اللحم والعضل المحيط به، ولا بد وأن تكون زوائده، ونقره كثيرة، والاثنتان من ذلك يكفي في العرض فيجب أن لا يزاد عليهما، ولا بد وأن تكون الزائدتان غير طويلتين والنقرتين غير غائرتين، وإلا كانت حركة الضلع تتعذر، ويكون المفصل موثقاً، وهيئة هذا المفصل له من كل ضلع، ففي طرفه من فوق زائدة لها غلظ ما، وهي مستديرة غير طويلة تدخل في نقرة من جناح الفقرة غير غائرة على سعة تلك الزائدة، فيركب الضلع على ذلك الجناح فإذا انتهى إلى طرفه برزت منه زائدة أخرى أدق وأصغر من التي فوقها تدخل في نقرة في طرف الجناح على سعتها فيحدث من ذلك لكل ضلع مع الجناح الذي يركب عليه مفصل مضاعف.