إنما سنذكر بعد فراغنا من شرح تشريح العظام بحثاً مفرداً في اختلاف الحيوانات في الأعضاء الطرفية. والذي نقوله الآن: إن الإنسان إنما احتيج أن تكون يداه على ما نصفه من إحكام التركيب، وكثرة جهات الحركات لأن ملبسه، ومأكله، وسلاحه كل ذلك صناعي فيحتاج أن يكون له تمكن من مباشرةً أعمال الصناعات أكثر من غيره وعمله بذلك أكثره باليدين فيجب أن تكون يداه أكثر إحكاماً وتفنناً في الحركات من سائر أنواع الحيوان وأصابع الإنسان إن لم تكن ذوات عظام لم تكن قوية على الأعمال. وإن كانت ذوات عظام فإما أن تكون كل واحدة من عظم واحد فلا يكون لها تفنن كثير في جهات الحركات، أو من عظام كثيرة فأما أكثر من ثلاثة فيكون تركيبها واهياً بقدر الزيادة على الثلاثة أو أقل من ثلاثة فتكون جهات الحركات وتفننها أقل بقدر ما نقص عن الثلاثة. ولذلك كان الأولى أن تكون كل واحدة منها من ثلاثة عظام، لأن هذا التركيب كفى في القوة، وجهات الحركات وتفننها وتسمى هذه العظام سلاميات، ولما كان الحامل يجب أن يكون أقوى من المحمول، وجب أن تكون هذه العظام كل سلامية أنملة أصغر مما دونها، ورأس كل سلامية أصغر من قاعدتها، ويجب أن تكون صغاراً جداً لئلا تثقل الأصابع وتغلظ فيعسر دوام حركتها ويجب أن يكون صلباً لتكون قوية فلا تنكسر عند مباشرة الأشياء الصلبة والحركات القوية، ويجب أن تكون قاعدة التجويف والمخ لأجل إفراط صغرها، ويجب أن تكون مستديرة لتبعد عن منال الآفات. ولم يمكن أن تكون محدبة من داخل لئلا تفوت جودة القبض على الأشياء لأن المقعر أعون على جودة القبض بسبب جودة اشتماله وكذلك هو أجود فيما يحتاج إليه من الحركات الدلك والغمز ونحو ذلك فخلقت مقعرة من داخل محدبة من خارج لفقدان الحاجة إلى هذه الأغراض من خارج مع أن المحدب مما تقل معه عروض الآفات وأصبر على ملاقاة المصادمات، وخلقت مستقيمة لأن ذلك أمكن في الأعمال إذ لو كانت معقفة لم يمكن اشتمالها لجميع أجزائها على ذوات الأحجام الكبار ولم يجعل لبعضها عند بعض تحديب لئلا يعرض بينهما خلل يمنع من ضبط السيالات والأشياء المفرطة الصغر، وخلق للخنصر والإبهام تحديب من غير جهة الأصابع لتكون اليد عند القبض مستديرة فيكون أو سع وأبعد عن قبول الآفات، وفائدة اللحم الذي عليها أن يدعمها فلا يكون تركيبها واهياً وأكثر ذلك من داخل السطح ليكون لذلك السطح أن يتشكل بشكل المقبوض فيكون اشتماله عليه أتم وأقله من خارج لفقدان هذا الغرض هناك، وليكون الضرر بخارجها أكثر إيلاماً عند اللكم ونحوه. ولئلا يزداد ثقلها فتضعف حركاتها وأما في جانبي الأصابع فإن اللحم بقدر وسط أما نقصانه عن الباطن فلفقدان الغرض منه وأما زيادته على ما في الظاهر فليسد الخلل الذي قد يقع بين الأصابع فيجود قبض الأشياء الصغيرة جداً، والسيالة ولهذا وفي لحم الأنامل ليجود سده لما يحدث من الخلل عند رؤوسها حالة القبض وليجود إمساك الأشياء الصغيرة جداً لأن اللحم يتشكل بشكل ذلك الممسوك ويحفظه عن السقوط ولذلك لا يجود إمساك ما صغر برؤوس الأظفار، ولما وجب أن تكون جملة اليد عند القبض على هيئة مستديرة وجب أن تكون الوسطى منها أعظم وكذلك ما يليها من الجانبين، وصغرت الأطراف، لأن هذه الهيئة تلزمها الاستدارة حال القبض ولو خلقت على طول واحد لزم ذلك أن يكون عند القبض غير متساوية وضع الأطراف فتبقى عند طرف الوسطى خلل كبير، ودونه عند أطراف ما يليها من الجانبين، ولما وجب أن تكون الوسطى أطول وجب أن تكون عظامها أطول. وأما ما يجب أن يكون قصيراً فإن كان وضعه على صف الطويل كما في الخنصر وجب أن تكون عظامه أصغر وأما ما لا يكون كذلك كالإبهام جاز أن يكون في نفسها طويلة وعظامها طوالاً لكن بخروج موضع أصلها عن الصف إلى أسفل تكون في حكم القصيرة، والقصيرة الأجزاء، وخلقت البنصر أطول من السبابة لأن السبابة يكون طرفها عند القبض على اللحم الناتئ بقرب أصل الإبهام والسبابة يكون طرفها حينئذ بين اللحمين النابتين وإنما كان كذلك لأن هذه المواضع بحذاء هذه الأصابع، ولم يجعل لبعض الأصابع عند بعض فرجة كبيرة إلا الإبهام. فإنه أبعد ما بينه وبين الأصابع الأربع. وذلك لأنه كان ينبغي أن تكون الأصابع من كل جهة حتى تكون مشتملة على المقبوض من كل جهة. ولكن كان يلزم ذلك ثقل الكف، وأن