للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك: «وقد عُلِم مع ذلك أنه لا يكاد يَسْلم المكلَّف من البشر من كل ذنب، ومِن ترك بعض ما أُمِر به، حتى يخرج لله من كل ما وجب له عليه، وأن ذلك يتعذر، فيجب لذلك أن يقال: إن العدل هو من عُرِف بأداء فرائضه ولزوم ما أُمِر به، وتوقِّي ما نُهي عنه، وتجنُّب الفواحش المسقِطة، وتحرِّي الحق والواجب في أفعاله ومعاملته، والتوقِّي في لفظه ما يُثلِم الدينَ والمروءة، فمن كانت هذه حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه، ومعروف بالصدق في حديثه».

وقال بعد ذلك: «والواجب عندنا أن لا يُرَدَّ الخبرُ ولا الشهادةُ إلا بعصيان قد اتُّفِق على رد الخبر والشهادة به، وما يغلب به ظنُّ الحاكم والعالم أن مقترفه غير عدل ولا مأمون عليه الكذب في الشهادة والخبر، ولو عمل العلماء والحكام على ألَّا يقبلوا خبرًا ولا شهادة إلا من مسلم بريء من كل ذنب قلَّ أو كثُر، لم يمكن قبول شهادة أحد ولا خبره؛ لأن الله تعالى قد أخبر بوقوع الذنوب من كثير من أنبيائه ورسله، ولو لم يُرَدَّ خبرُ صاحب ذلك وشهادته بحال، لوجب أن يُقبل خبرُ الكافر والفاسق وشهادتهما، وذلك خلاف الإجماع، فوجب القول في جماع صفة العدل بما ذكرناه».

وبيَّن أنه ينبغي لكي يوصف الرجل بالعدالة أن يكون مجتنبًا للصغائر كما اجتنب الكبائر فقال: «وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يُسمَّى فاعلها فاسقًا، حتى يكون مع ذلك متوقِّيًا لما يقول كثير من الناس: إنه لا يُعلم أنه كبير. بل يجوز أن يكون صغيرًا، نحو الكذب الذي لا يُقطع على أنه كبير، ونحو التطفيف بحبة، وسرقة باذنجانة، وغش المسلمين بما لا يُقطع عندهم على أنه كبير من الذنوب.

<<  <   >  >>