للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأجل أن القاذورات -وإن لم يُقطع على أنها كبائر يستحق بها العقاب- فقد

اتُّفق على أن فاعلها غير مقبول الخبر والشهادة، إما لأنها متهمة لصاحبها ومسقِطة له ومانعة من ثقته وأمانته، أو لغير ذلك؛ فإن العادة موضوعة على أن من احتَملت أمانتُه سرقةَ بصلة وتطفيف حبة، احتملت الكذب، وأخذ الرِّشا على الشهادة، ووضع الكذب في الحديث، والاكتساب به.

فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتُّفق على أنه فسق يُستَحَق به العقاب، وجميع ما أضربنا عن ذكره مما لا يقطع قوم على أنه كبير، وقد اتُّفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته، فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليمًا منه» (١).

وأجمل القول في التعريف بالعدالة عند بيانه لصفات الخبر الذي يلزم قبوله ويجب العمل به في كتابه «الفقيه والمتفقه» بقوله: «ثبوت العدالة، أن يكون الراوي -بعد بلوغه وصحة عقله- ثقة مأمونًا، جميل الاعتقاد غير مبتدع، مجتنبًا للكبائر، متنزِّها عن كل ما يُسقط المروءة، من المجون والسخف والأفعال الدنيئة» (٢).

وقد عقد الخطيب في «الكفاية» بابًا في الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار الإسلام وعدم الفسق الظاهر فقط، وبيَّن أنه لا سبيل إلى معرفة العدل إلا باختبار الأحوال، وتتبُّع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة (٣).


(١) «الكفاية» (ص: ٨٠).
(٢) «الفقيه والمتفقه» (١/ ٢٩١).
(٣) «الكفاية» (ص: ٨١ وما بعدها).

<<  <   >  >>