كذلك فإن أحدًا ممن اعترض على النُّقَّاد بتصريح ابن جريج بالسماع من
أبي الزبير -كالزيلعي وابن الملقن- لم يذكر رواية الدارمي هذه، ولو كانت محفوظة لتلقَّفوها ولأذاعوها، والله أعلم.
أما الطريق الثانية التي رواها النسائي، فقد أنكرها النسائي نفسه بعد روايتها، فقال:«ما عمل شيئًا، ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا، والله أعلم».
وخلاصة الأمر: أنه لم يثبت باليقين سماع ابن جريج لهذا الحديث من أبي الزبير، والراجح أنه سمعه من ياسين الزيات فدلَّسه، وبهذا يسلم نقد الخطيب ومن سبقه من النُّقَّاد، والله أعلم.
المثال الثاني وهو في تدليس الشيوخ:
روى الخطيب في ترجمة أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش ومن طريقه أنه قال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الملك الخياط قال: حدثنا إدريس بن عيسى المخزومي القطان قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا سفيان الثوري، عن قابوس بن أبي ظَبْيان، عن أبيه، عن ابن العباس قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، تارة يُقبِّل هذا، وتارة يُقبِّل هذا، إذ هبط عليه جبريل - عليه السلام - بوحي من رب العالمين فلما سُرِّي عنه، قال:«أتاني جبريلُ من ربِّي، فقال لي: يا محمد إنَّ ربَّك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: لستُ أجمعُهما لك فافدِ أحدهما بصاحبه».
فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى إبراهيم فبكى، ونظر إلى الحسين فبكى، ثم قال: «إن إبراهيم أُمُّه أَمَةٌ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وأمُّ الحسين فاطمة، وأبوه