للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعض الأكابر جامع دمشق أو صور ورأى حلقة عظيمة للخطيب، والمجلس غاصٌّ، يسمعون منه الحديث، فقعد إلى جانبه، وكأنه استكثر الجمع، فقال له الخطيب:

القعود في جامع المنصور مع نفر يسير أحب إليَّ من هذا» (١).

وهذا النص يبين ما تبوأه من منزلة علمية عالية، وشدة اشتياقه إلى وطنه بغداد، فلما بلغ سبعين سنة، كأنه أحس بدنوِّ أجله، فأحب أن يحقِّق الله له أمنيته الثالثة - كما حقَّق له الأولى والثانية - وهو أن يُدفن بجوار بشر الحافي ببغداد، فعزم على الرجوع إلى وطنه بغداد.

وقد تعهَّد تلميذه المحدِّث التاجر أبو منصور عبد المحسن بن محمد الشِّيحي (٢) أن يحمله في هذا السفر الشاق، وقد كافأه الخطيب على ذلك فأهدى إليه «تاريخ بغداد» بخطه، وقال: «لو كان عندي أعز منه لأهديته له» (٣).

فخرج وصديقه في شعبان سنة اثنتين وستين وأربعمائة يريدان بغداد، فمرَّا بطرابلس ثم حلب، فمكثا في كل واحدة من البلدتين أيامًا قلائل، ثم توجَّها إلى الرحبة، ومنها إلى بغداد، فوصلاها في ذي الحجة من السنة نفسها (٤).


(١) «معجم الأدباء» (١/ ٣٩١)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار (ص: ٣٥).
(٢) هو المحدث الجوال الصدوق التاجر السفَّار أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الشيحي، ثم البغدادي، الفقيه المالكي، النصري، وُلد في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، قال إسماعيل بن محمد الحافظ: شيخ جليل فاضل ثقة. مات سنة تسع وثمانين وأربعمائة. «سير أعلام النبلاء» (١٩/ ١٥٢).
(٣) «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (١٧/ ٣٤).
(٤) ينظر: «تاريخ دمشق» (٥/ ٤٠)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (١٦/ ١٢٩)، و «معجم الأدباء» (١/ ٣٨٤)، و «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ٢٧٧).

<<  <   >  >>