ومما لا شك فيه: أن هذه المرحلة هي مرحلة التأسيس، والتأثير والغرس، في شخصية الولد، في جميع المجالات، والإسلام قد أمر أولي الأمر عن الصغار، بإحسان توجيههم وتربيتهم وتعليمهم، فقام المسلمون بالمهمة خير قيام، حتى صار "المسلم" مثلا يحتذى به في الأخلاق والمعاملة، واعتنوا بالعلم وبتلقين الصغار العلوم على أنواعها، في سن مبكّرة، حيث درج الكثيرون على تحفيظ الأولاد القرآن الكريم من سن الخامسة، فلا يصل الولد الى العاشرة من عمره، حتى يكون قد حفظ القرآن عن ظهر قلب، وقد كان هذا سابقا، ولا يزال حتى الآن في بلاد المسلمين، وإن كان على نطاق غير واسع، فنبع في المسلمين جهابذة العلماء، في مختلف الفنون.
***
[٣- مرحلة " الأشد"]
جاء ذكر هذه المرحلة في مواضع من القرآن العظيم، منها قوله عز وجل في سورة "الأحقاف"، عن الإنسان البارّ بوالديه:{حتى إذا بلغ أشدّه وبلغ أربعين سنة قال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي من ذريّتي إني تبت إليك وإني من المسلمين} ، وقوله تعالى:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه} .
و" الأشد" في اللغة: "القوة، ومبلغ الرجل الحنكة والمعرفة"، وقال الأزهري:" الأشد" في كتاب الله على ثلاثة معان يقرب إختلافها:
١- فأمّا قوله تعالى في قصة "يوسف" عليه السلام: {ولما بلغ أشدّه آتيناه حكما وعلما} ، فمعناه: الإدراك والبلوغ، وحينئذ راودته امرأة العزيز عن نفسه، وكذلك قوله تعالى:{ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدّه} .
٢- وأما قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام:{ولما بلغ أشدّه واستوى آتيناه حكما وعلما} ، فإنه قرن بلوغ " الأشد" بالإستواء، وهو: أن يجتمع أمره وقوّته، ويكتهل وينتهي شبابه.