للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و"النصارى" أيضا يطلقون "الروح" على "الله"، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، فيقولون:" الله روح أبديّ سرمديّ"، ومفهومهم للروح بهذا المعنى، هو الذي ينتسب كهنتهم إليه، فيسمّون أنفسهم:"رؤساء روحيّين"، فالرئيس الروحيّ عندهم هو: كل "كاهن" أعطي صفة كهنوتية، وبالمقابل، فهم يطلقون على غيرهم وصف:"العلمانيين"، أي: غير "الروحيّين اللاهوتيين".

بعد هذا الإستعراض لمفهوم "المادة والروح"، نرى أن الذين قسّموا شخصية "الإنسان" إلى" "مادة" و"روح" مخطئون، وذلك لأسباب التالية:

أولا: عدم وضوح المراد حصرا بكل من: "المادة" و"الروح"، ومعلوم أن التسمية بشيء لا تصحّ، إلا إذا كانت وافية بالتعريف، مفيدة للمعنى المقصود، فالذين أطلقوا هذين اللفظين على الإنسان، لم يحدّدوا المراد بكل منهما، فلا يزول الإشكال.

ثانيا: إن "المادة" في الإنسان لا تنفصل عن "الروح"، لأن الجسد البشريّ من دون روح، هو جماد كالحجر، ومعلوم أن ما يميّز الجسم البشريّ عن سائر الجمادات، إنما هو "الحياة" المستقرّة فيه، أي: "الجانب الحيواني" الذي ذكرناه سابقا.

ثالثا: إن الذين أطلقوا "الروح" على "العقل" مخطئون، لأن "الروح" غير "العقل"، فهما مخلوقان متغايران، والعقل لا يعمل إلا بالروح، فالروح هي المحرّك لكل من "الجسد والعقل"، فكيف تكون "الروح" في جانب، وما تعمل هي فيه في جانب آخر؟ ...

فظهر واضحا: أن تقسيم " الإنسان" الى "مادة وروح"، تقسيم غير صحيح، ولا ينطبق على الواقع، وأن التفصيل الصحيح لشخصية الإنسان هو أنه: "حيوان ناطق أي: عاقل، كما بيّناه سابقا، وإذا أردنا أن نجاري ما شاع في تعريف الإنسان فنقول: الإنسان مادة وعقل".

***

[٦- الغيب والشهادة:]

كما أن في الإنسان جانبين هما: "جانب الحيوانية" وما فيه من حوّاس وأعضاء، و"جانب العقل" وما ينتج عنه من فهم وعلم ومعرفة، فإن الموجودات كلها تنقسم أيضا الى قسمين هما:

<<  <   >  >>