إن الله تعالى يأمر المؤمنين بان يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب النار، ومعلوم: أن وسيلة الوقاية من النار، ليست بتجهيز الملابس والأقنعة الواقية من حرّها ولهبها.. ولا بإعداد وسائل إطفاء الحرائق.. بل تحصّل هذه "الوقاية" بأمرين هما: " صلاح العقيدة"، بان تكون عقيدة صحيحة، بمطابقتها لما جاء به رسولنا الأمين محمد صلى الله عليه وسلم، و" صلاح العمل"، بان تكون الأعمال صالحة، بموافقتها لشريعته الغرّاء، ومن دون ذلك، فلن يكون للإنسان منجاة من العذاب، ولن يكون له ملجأ أو مفرّ من العقاب يوم القيامة، إلا ما يختصّ به ربنا عز وجل بعض عباده المؤمنين العصاة، من العفو والغفران.
والمستفاد من معنى هذه الأية: إن الإنسان لا يجوز له أن يتلهى بأي شيء من أمور " الدنيا"، عما فيه مصلحته ومصلحة أهله في "الدين"، فيهمل واجباته، ويتخلى عن مسؤولياته، وأنه لا يجوز له أن يلهو عن طاعة الله، برغبات نفسه وشهواتها، أو: يلهو بأمواله وأولاده عن ذكر الله سبحانه وعبادته، باعتبارهم زينة الحياة الدنيا كما قال تعالى:{المال والبنون زينة الحياة الدنيا} ، لأن الله تعالى نهى عن ذلك وحذّر منه في قوله سبحانه:{يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون} .
إن نطاق "الوقاية" التي أمرنا الله تعالى بها، لا ينحصر في مجال مصلحة النفس والأهل، بل يتعدى هذا النطاق، ليشمل المجتمع كله، عملا بالقاعدة الشرعية الواردة في الحديث الشريف:" كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
فالمجتمع مترابط بشبكة متكاملة من المسؤولية بدءا من مسؤولية الإنسان عن نفسه، وانتهاء بمسؤولية الراعي عن الرعية، تكفل له في حال وفاء المسؤولية حقها، أن يكون مجتمعا سعيدا ... صالحا ...