والسبب معروف؛ ذلك أن المقدرة على التنظيم أمر لا يُستهان به، ولا يستغنى عنه، وما كل امرئ بمستطيع تبويب المادة، وتوحيد أجزائها، ووضع كل منها في مكانه اللائق به بقدره المناسب، بعد طرد ما هو تافه وخارج عن الموضوع.
إنك الآن تبني، وتُكوِّن من موادك الخام عمارة، ولَا بُدَّ أن تكون مهندسًا بارعًا ليجيء عملك متناسقًا مترابطًا متكاملًا من دون زيادة هنا أو نقص من هناك، ومن دون اضطراب أو تفكك...."١.
والأمانة العلمية المتمثلة في نسبة الأفكار والنصوص إلى أصحابها -مهما تضاءلت- هي عنوان شرف الباحث؛ بل الشعار الذي يعلنه في كل خطوات البحث.
والصبر على متاعب البحث ومشكلاته رياضة يأخذ بها الباحث نفسه؛ تجعل البحث شغله الشاغل في جميع الأوقات، يبعد بعد الملل عن نفسه، فمن ثَمَّ تتكشف له جوانب البحث، وتَتَابع الأفكار، وتنقاد له المعاني.
والتأني لازم من لوازم البحث العلمي، وصفة جدير أن يتحلي بها الباحث؛ حتى يتمكن من تكوين الانطباع السليم، وتأسيس أحكام وتقديرات صحيحة.
والإخلاص للبحث هو رُوح العمل العلمي وسر الإبداع؛ حيث لا يضن الباحث في سبيل كماله بمال، أو جُهْد، أو وقت، أو تفكير.
هذا كله في الحقيقة مظهر الحب الصادق، والرغبة الطموح في البحث بشكل عام، والموضوع الذي وقع عليه الاختيار بشكل خاص، "فالعلم لا يعطيك خالص الحكمة حتى تعطيه خالص المحبة".