قبلهم، يستعرضون موضوعاتها، ويقرءون فيها؛ حتى يستبين لهم موضوع يتفق وميولهم، ويحاولون بحثه ودراسته.....، ومن أخطر الأشياء أن يبدأ الباحث حياته عالة على غيره من الباحثين الذين سبقوه؛ فإن ذلك يصبح خاصة من خواص بحوثه، ولا يستطيع فيما بعد أن يتحول باحثًا بالمعنى الدقيق لكلمة باحث؛ فقد انطبع بطوابع التبعية لغيره، ولم يعد يشعر لنفسه بوجود حقيقي، فوجوده دائمًا تابع لوجود غيره؛ كوجود النباتات المتسلقة على الأشجار الشامخة"١.
والطريقة العملية في التوصل إلى اختيار بحث مناسب أن يتخير الباحث مجموعة من المصادر والكتب في حقل التخصص، متنوعة بين قديم وحديث، تمثل مدارس فكرية متنوعة، ومناهج علمية مختلفة، يعكف على تأملها، ودراسة موضوعاتها بتأنٍّ ورَوِيَّة، ولن تخونه هذه الدراسة في اكتشاف عدد من البحوث والموضوعات التي تحتاج إلي زيادة في الدراسة والبحث. سيجد بعد ذلك أمامه قائمة طويلة بعناوين كثيرة، يُلقي بعد ذلك عليها نظرة فحص واختبار؛ ليقع اختياره على أحدها مما يتوقع فيه مجالًا واسعًا للبحث والكتابة.
حسن اختيار الموضوع -أو المشكلة- هو محور العمل العلمي الناجح، وليضع الباحث في اعتباره أنه سيكون محور نشاطه، وبؤرة تفكيره لسنوات معدودة؛ بل ربما كان قرين حياته إذا استمرت نشاطاته الفكرية في اتجاهه، وليتوخَ في الاختيار ما يتوقعه من فوائد علمية في مجال التخصص، أو أهمية اجتماعية تعود بفوائدها على المجتمع، يستحق ما يبذل له من وقت وجُهْد ومال. فالمهم في هذه المرحلة "أن تتخير وتحصل على موضوع له فائدته، وقيمته العلمية في مجال التخصص، وأن
١ البحث الأدبي: طبيعته - مناهجه - أصوله - مصادره "مصر: دار المعارف ١٩٧٢م" ص ١٧، ١٨.