فقد كانوا إذا مسهم الضر في البحر لم يكونوا يدعون إلا الله سبحانه وحده لا يشركون معه غيره، فهؤلاء الكفار قد فهموا هذه النكتة المهمة، فكانوا يعتقدون أنه لا غنى لأحد عنه سبحانه عند الكربات؛ ولأجل أن كل ما سوى الله مفتقر إليه، وأنه هو الغني وحده- قد ندب الله سبحانه إلى دعائه، ورغبهم في أن يسألوه حوائجهم وحده لا شريك له، لأن ذلك يتضمن عدة من المطالب العالية، والصفات الكمالية، وهي الوجود، والغنى، والسمع، والعلم، والكرم، والرحمة، والقدرة، لأن المعدوم، والفقير، والأصم، والبخيل، والقاسي، والعاجز- لا يُدْعَوْنَ، فالله سبحانه وتعالى يفرح بدعاء عبده وسؤاله منه، وإظهار تضرعه إليه، فمن لم يسأل الله عند الكربات* ولم يدعه عند الملمات* يكرهه ويغضب عليه، بخلاف ابن آدم، كما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله ... وبُنيُّ آدم حين يسأل يغضب
فمن رأى نفسه مستغنيا عن الله طرفة عين، معرضا عنه، مستغيثا بغيره تعالى- فقد كفر، ويكون مخلدا في النار، فأي هلاك أشد من هذا!!!؛ لأن من لا يدعو الله تعالى- فهو لا يعرفه، وإن ادعى أنه يعرفه؛ لأنه وإن أقر به- فقد نقض إقراره بترك دعائه وسؤاله عند الكربات* وعدوله إلى غيره سبحانه من المخلوقات*.