بل المراد من ((الفساد)) في الآية: الفساد بمعنى الظلم والعدوان؛ لأن التوحيد أعدل العدل، والشرك أظلم الظلم.
قال الإمام ابن أبي العز الحنفي أحد أئمة الحنفية رحمه الله (٧٩٢هـ) ، وتبعه العلامة نعمان الآلوسي (١٣١٧هـ) ، واللفظ للأول؛ مبطلًا جميع هذه المقدمات، ومزيفًا استدلالهم بهذه الآية على جعل توحيد الألوهية عينًا لتوحيد الربوبية؛ وجعل هذه الآية مشتملة على برهان التمانع:
(وكثير من أهل النظر يزعمون: أن دليل التمانع هو معنى قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}[الأنبياء: ٢٢] ؛ لاعتقادهم: أن توحيد الربوبية الذي قرروه هو توحيد الإلهية الذي بينه القرآن؛ ودعت إليه الرسل عليهم السلام؛ وليس الأمر كذلك؛ بل التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأن خالق السماوات والأرض واحد؛ كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان: ٢٥] ، {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}[المؤمنون: ٨٤-٨٥] ؛ ومثل هذا كثير في القرآن؛ ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام: أنها مشاركة لله في خلق العالم؛ بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم من الهند والترك والبربر، وغيرهم؛ تارة يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين، ويتخذونهم شفعاء، ويتوسلون بهم إلى الله؛ وهذا أصل شرك العرب....) .