للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الظُّهْرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَى رَجُلًا كَانَ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ؟! أَلَا تَنْظُرُ كَيْفَ تُصَلِّي؟! إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي إِنَّمَا يَقُومُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يُنَاجِيهِ، إِنَّكُمْ تَرَوْنَ أَنِّي لَا أَرَاكُمْ، إِنِّي وَاللَّهِ لَأَرَى مِنْ خَلْفِ ظَهْرِي كَمَا أَرَى مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» (١).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ القِبْلَةِ، فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي، فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى» (٢).

ومن حديث الحارث الأشعري -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ» الحديث (٣).

قال ابن رجب: "والالتفات نوعان:

أحدهما: التفات القلب إلى غير الصلاة ومتعلقاتها، وهذا يخل بالخشوع فيها.

والثاني: التفات الوجه بالنظر إلى غير ما فيه مصلحة الصلاة" (٤).

وكثير يقع الخلل من المصلين في النوع الأول من الالتفات وهو التفات القلب عن الله، وهو الذي يخل بالخشوع، أما النوع الثاني، وهو التفات الوجه فقليل ما يقع.

وعلى هذا فلا بد من مجاهدة القلب على الحضور في الصلاة وعدم التفاته عن الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: ٦٩].


(١) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (١/ ٢٧١) ح (٤٧٤)، والحاكم في المستدرك (١/ ٣٦١) ح (٨٦١) وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ٣٥٣) ح (٥٤١).
(٢) أخرجه البخاري (١/ ٩٠) ح (٤٠٦)، ومسلم (١/ ٣٨٨) ح (٥٤٧).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٢٨/ ٤٠٥) ح (١٧١٧٠)، والترمذي واللفظ له (٥/ ١٤٨) ح (٢٨٦٣) وقال: "حسن صحيح غريب"، وابن خزيمة في صحيحه (٢/ ٩١٤) ح (١٨٩٥)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١/ ٣٥٨) ح (٥٥٢)، وقال محقق المسند شعيب الأرناؤوط (٢٨/ ٤٠٦) ح (٥٥٢) "حديث صحيح".
(٤) فتح الباري (٦/ ٤٤٧) لابن رجب.

<<  <   >  >>