للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال (١) أيضاً رحمه الله معلقًا على هذه الأحاديث: "وكأن مقصود النبي -صلى الله عليه وسلم- بذكر هذا: أن يستشعر المصلي في صلاته قرب الله منه، وأنه بمرأى منه ومسمع، وأنه مناج له، وأنه يسمع كلامه ويرد عليه جواب مناجاته له، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢]، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي» (٢) وذكر رده عليه في آيات الفاتحة إلى آخرها.

فمن استشعر هذا في صلاته أوجب له ذلك حضور قلبه بين يدي ربه، وخشوعه له، وتأدبه في وقوفه بين يديه، فلا يلتفت إلى غيره بقلبه ولا ببدنه، ولا يعبث وهو واقف بين يديه، ولا يبصق أمامه، فيصير في عبادته في مقام الإحسان، يعبد الله كأنه يراه" (٣).

وأحب هنا أن أنقل كلاماً عظيماً للإمام ابن القيم- فإني أنقله بطوله لأهميته- فيقول رحمه الله: " الالتفات المنهي عنه في الصلاة قسمان:

(أحدهما): التفات القلب عن الله عز وجل إلى غير الله تعالى.

(الثاني): التفات البصر وكلاهما منهي عنه.

ولا يزال الله مقبلاً على عبده ما دام العبد مقبلاً على صلاته، فإذا التفت بقلبه أو بصره أعرض الله تعالى عنه.

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في صلاته فقال: «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ العَبْدِ» (٤) وفي أثر يقول الله تعالى: (إلى خير مني، إلى خير مني؟) (٥) ومثل من يلتفت في صلاته ببصره أو بقلبه أو مثل رجل قد استدعاه السلطان فأوقفه بين يديه وأقبل يناديه ويخاطبه، وهو في خلال ذلك يلتفت عن السلطان يميناً وشمالاً وقد انصرف قلبه عن السلطان فلا يفهم ما يخاطبه به، لأن قلبه ليس حاضراً معه، فما ظن هذا الرجل أن يفعل


(١) ابن رجب.
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٢٩٦) ح (٣٩٥).
(٣) فتح الباري لابن رجب (٣/ ١١٠ - ١١١).
(٤) أخرجه البخاري (١/ ١٥٠) ح (٧٥١).
(٥) وهذا الأثر لا يصح رفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر: ضعيف الترغيب والترهيب (١/ ١٥٤) ح (٢٨٩).

<<  <   >  >>