للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هذين الحديثين: يتبين لنا خطأ من يرسل يديه، إذ أن وضع اليد اليمنى على اليسرى من هدي نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وهدي الأنبياء قبله (١) .

قال ابن عبد البر: لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتّابعين، وهو الذي ذكره مالك في ((الموطأ)) ولم يحك ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثرُ أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنّفل (٢) ، ومنهم من كره الإمساك.

ونقل ابن الحاجب أن ذلك حيث يمسك معتمداً لقصد الرّاحة (٣) .

وذكر المالكية في رواية سنيّة القبض في الفرض والنفل: أنها ((الأظهر، لأن الناس كانوا يؤمرون به في الصّدر الأول)) (٤) .

والمشهور في كتب المتأخرين من المالكيّة: أن وضع اليدين تحت الصدر، فوق السرة، مندوب للمصلّي المتنفل، وكذا للمفترض، إن قصد بالوضع الاتباع، أو لم يقصد شيئاً، أما إن قصد الاعتماد والاتكاء على يده بوضعهما كره له ذلك.

قال الباجي من كبار المالكية: ((وقد يحمل قول مالك بكراهة قبض اليدين على خوفه من اعتقاد العوام، أن ذلك ركن من أركان الصلاة، تبطل الصلاة بتركه)) .

فلعل من يتأمل جميع هذه الآراء في هذه المسألة، يعلم علماً قاطعاً أنهم جميعاً يعترفون بأن سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم - هي وضع اليدين أمام المصلي، لا إرسالهما بجنبه، وأن الإمام مالك قال بإرسالهما - إنْ صَحَّ هذا عنه - ليحارب عملاً غير مسنون، وهو قصد الاعتماد، أو اعتقاداً فاسداً، وهو ظنّ العامي


(١) انظر: ((زاد المعاد)) : (١/٢٠٢) .
(٢) اقتصر على هذه الرواية ابن رشد في ((بداية المجتهد)) : (١/١٠٧) كأنها تمثل مذهب مالك في نظره!
(٣) فتح الباري: (٢/٢٢٤) ونيل الأوطار: (٢/٢٠١) .
(٤) انظر: ((التاج والإكليل)) : (١/٥٣٦) و ((القوانين الفقهية)) : (ص ٦٥) .

<<  <   >  >>