فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثم خرج إلى المسجد)) علّةٌ منصوصة، فلا يجوز إلغاؤها، وحينئذ يختص تضعيف الأجر بمن أتاها من البعد، فلا يحصل التضعيف لمن صلّى في بيته في جماعة.
قال الكشميري:((إن شئت، قلت: إنّ الصّلاة في البيت مفضولة عن الصلاة في المسجد، فإنهما عبارتان عن معنى واحد، على الفرض المذكور، بقي تجميع فائت الجماعة في بيته، فهو بمعزل عن النظر، لأنه من العوارض، لا أن الجماعات مشروعة في البيوت، لتبنى عليها الأحكام)) (٢) .
قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ:((ومن تأمل السنّة حق التّأمل، تبيّن له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارضٍ يجوز معه ترك الجمعة والجماعة، فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر، وبهذا تتفق حميع الأحاديث والآثار.
ولما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلغ أهل مكة موته، خطبهم سهيل بن عمرو، وكان عتاب بن أسيد عامله على مكة، وقد توارى خوفاً من أهل مكة، فأخرجه سهيل، وثبت أهل مكة على الإسلام، فخطبهم بعد ذلك عتاب، وقال: يا أهل مكة! والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلّف عن الصّلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربتُ عنقه.
وشكر أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الصّنيع، وزاده رفعة في أعينهم، فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر، والله أعلم بالصواب)) (٣) .