((يعني إنهم كانوا جماعة واحدة، في مسجد واحد، فأرادوا ـ أي المنافقين ـ أن يفرّقوا شملهم في الطاعة، وينفردوا عنهم للكفر والمعصية، وهذا يدلك على أن المقصد الأكثر، والغرض الأظهر، من وضع الجماعة: تأليف القلوب، والكلمة على الطاعة، وعقد الذّمام والحرمة بفعل الديانة، حتى يقع الأُنس بالمخالطة، وتصفو القلوب من وضر (٣) الأحقاد والحسادة.
ولهذا المعنى تفطّن مالك ـ رضي الله عنه ـ حين قال: إنه لا تصلى جماعتان في مسجدٍ واحدٍ ولا بإمامين ولا بإمام واحد، خلافاً لسائر العلماء (٤) !! وقد روي عن الشافعي المنع، حيث كان ذلك تشتيتاً للكلمة، وإبطالاً لهذه الحكمة، وذريعة إلى أن نقول: مَنْ أراد الانفراد عن الجماعة، كان له عذر، فيقيم جماعة، ويقدم إمامته، فيقع الخلاف، ويبطل النظام، وخفي ذلك عليهم!! وهكذا كان شأنه معهم، وهو أثبت قدماً منهم في الحكمة، وأعلم بمقاطع الشريعة)) (٥) .
٢- حديث أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل من نواحي المدينة، يريد الصلاة، فوجد الناس قد صلوا، فمال إلى منزله، فجمع أهله، فصلّى بهم (١) .
ووجه الدلالة منه: أنه لو كانت الجماعة الثّانية جائزة بلا كراهة، لما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - فضل المسجد النبوي (٢) .