فسياق الحديث يبيّن ضعفه، حيث ذكر صلاة العشاء والفجر، ثم أتبع ذلك بهمّه بتحريق من لم يشهد الصّلاة.
وأما مَنْ حمل العقوبة على النّفاق، لا على ترك الصّلاة، فقوله ضعيف لأوجه:
أحدها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يقتل المنافقين على الأمور الباطنة، وإنما يعاقبهم على ما يظهر منهم من ترك واجب، أو فعل محرم، فلولا أن في ذلك ترك واجب لما همّ بحرقهم.
الثاني: أنه رتب العقوبة على ترك شهود الصلاة،فيجب ربط الحكم في السبب الذي ذكره.
الثالث: أن ذلك حجة على وجوبها أيضاً، كما ثبت في ((صحيح مسلم)) وغيره عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ((من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليصلّ هذه الصّلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيّه سنن الهدى، وإن هذه الصلوات الخمس في المساجد التي ينادى بهن من سنن الهدى، وإنكم لو صلّيتم في بيوتكم كما صلى هذا المتخلّف في بيته، لتركتم سنّة نبيكم، ولو تركتم سنّة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النّفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصّف)) (١) .
فقد أخبر عبد الله بن مسعود أنه لم يكن يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النّفاق، وهذا دليل على استقرار وجوبها عند المؤمنين، ولم يعلموا ذلك إلا من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ لو كانت عندهم مستحبّة كقيام الليل والتطوعات التي مع الفرائض، وصلاة الضحى، ونحو ذلك، كان منهم من يفعلها، ومنهم من لا يفعلها مع إيمانه، كما قال له الأعرابي:((والله لا أزيد على ذلك، ولا أنقص منه)) فقال: ((أفلح إن صدق)) .