{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ}(١) وذلك من وجهين:
أحدهما: أنه أمرهم بصلاة الجماعة معه في حال الخوف، وذلك دليل على وجوبها حال الخوف، وهو يدل بطريق الأولى على وجوبها حال الأمن.
الثّاني: أنه سنّ صلاة الخوف جماعة، وسوّغ فيها ما لا يجوز لغير عذر، كاستدبار القبلة، والعمل الكثير، فإنه لا يجوز لغير عذر بالاتفاق، وكذلك مفارقة الإمام قبل السلام عند الجمهور، وكذلك التخلّف عن متابعة الإمام كما يتخلّف الصف المؤخر بعد ركوعه مع الإمام إذا كان العدو أمامهم.
وهذه الأمور مما تبطل الصلاة بها لو فعلت لغير عذر، فلو لم تكن الجماعةُ واجبةً بل مستحبّة، لكان قد التزم فعل محظور مبطل للصلاة، وتُرِكَت المتابعة الواجبة في الصلاة لأجل فعل مستحب! مع أنه قد كان من الممكن أن يصلّوا وحداناً صلاة تامة، فعلم أنها واجبة (٢) .
واعلم أنه لا ينافي القول بالوجوب ما تفيده بعض الأحاديث من صحة صلاة المنفرد التي تفيد أن صلاة المنفرد صحيحة، حيث جعلت له درجة واحدة، لأن هذا لا ينافي الوجوب الذي من طبيعته أن يكون أجره مضاعفاً على أجر ما ليس بواجب، كما هو واضح (٣) .
قال ابن القيم في الرد على هذا الاستدلال:((التفضيل لا يستلزم براءة الذّمة من كل وجه، سواء كان مطلقاً أم مقيداً، فإن التفضيل يحصل مع مناقضة المفضل للمفضّل عليه من كل وجه، كقوله تعالى:{أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} (٤)