والاعتبار بالنيّة لا بالفعل، فلو خرج يقصد سفراً بعيداً، فقصر الصّلاة، ثم بدا له فرجع، كان ما صلاه ماضياً صحيحاً، ولا يقصر في رجوعه إلا أن تكون مسافةُ الرجوع مبيحة بنفسها، نصّ أحمد على هذا، ولو خرج طالباً لعبد آبق (هارب) ونحوه، لا يعلم أين هو، أو منتجعاً غيثاً (كلأ) ، متى وجده أقام أو رجع، أو سائحاً في الأرض، لا يقصد مكاناً، لم يُبَح له القصر، وإن سار أياماً (٥) .
ويقلع المسافر عن الجمع والقصر مجرد دخوله بلدته.
عن علي بن ربيعة قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ متوجّهين ها هنا،
وأشار بيده إلى الشّام، فصلّى ركعتين ركعتين، حتى إذا رجعنا ونظرنا إلى الكوفة، حضرت الصّلاةُ، فقالوا: يا أمير المؤمنين هذه الكوفة، نُتمُّ الصّلاة؟ . قال: لا، حتى ندخلها (١) .
ومعنى قوله:((لا، حتى ندخلها)) أي: لا نزال نقصر حتى ندخلها، فإنا ما لم ندخلها في حكم المسافرين (٢) .
ويقصر المسافر الصّلاة ما دام غائباً عن بلده الذي اتّخذه موطناً، وفي نيته الرجوع إليه، سواء أكان شاخصاً سائراً أم أقام في بلد آخر مدة معلومة لديه، ما لم يتخذه موطناً، أو لم يكن يعلم المدّة، وفي نفسه يقول: اليوم أخرج، غداً أخرج (٣) .