وقال النووي:((وأما ابتداء القصر، فيجوز من حين يفارق بنيان بلده، أو خيام قومه، إن كان من أهل الخيام، هذا جملة القول فيه، وتفصيله مشهور في كتب الفقه، هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافّة، إلا رواية ضعيفة عن مالك: أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال. وحكى عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود: أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه.
وعن مجاهد: أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل. وهذه الروايات كلّها منابذة للسنّة وإجماع السّلف والخلف)) (١) .
والأدلة كثيرة ومتضافرة على القول الذي نصره النووي، والنظر في الردّ على قول مَنْ قال: إذا خرج نهاراً لم يقصر إلى الليل، في ((نيل الأوطار)) : (٣/٢٥١) .
وانظر الأدلة على ما نصره النووي في:((صحيح البخاري)) : ((باب يقصر إذا خرج من موضعه)) (٢) و ((أضواء البيان)) : (١/٣٧١) و ((إرواء الغليل)) : رقم (٥٦٣) و ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) : رقم (١٦٣) و ((المحلى)) : (٥/٢) .
والخلاصة: أن القصر يبدأ من الخروج من البلد ومفارقة بنيان مكان الإقامة، من قرية، أو مدينة، أو خيام، ولا يوجب الأمر ـ كما وجدت عليه بعضَ إخواننا ـ أن يكون الخروجُ عن كلّ بنيان يصادفه في طريق سفره، ولو امتدً إلى آلاف الأميال، والله تعالى أعلم (٣) .
نعم، لو كانت قريتان متدانيتان، فاتًصل بناء إحِداهما بالأُخرى فهما كالواحدة، وإن لم يتصل فلكل قرية حكم نفسها (٤) ، وبمجرد خروجه عنها ـ إن كانت بلدتَه ـ فله القصر، وإن واجهه في الطريق مجموعة قرى متّصلة أو منفصلة.