الحمد لله والصلاة والسلام على محمد رسول الله وعلى آله وصحابته ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد:
فقد حصلت علي نسختين من كتاب المحاضرات والمحاورات للسيوطي قبل اثنتي عشرة سنة، وقد استهواني ما وجدت فيه من مادة أدبية ومن رسائل ومقامات ومختارات شعرية مشرقية وأندلسية ونقول من كتب نفيسة منها المخطوط ومنها المفقود، واخترت الكتاب ليكون مادة تدريس مقرر (علم المخطوطات ومنهج التحقيق) في جامعة قار يونس ببنغازي، ثم باشرت بتحقيقه وإخراجه لجمهرة الأدباء والقارئين من المعنيين بالتراث، سنة ١٩٩٢ م وقطعت شوطا كبيرا جاوز نصف الكتاب، ثم طوحت بي المقادير من بلد إلى آخر ومن دار إلى دار، أذرع الأرض سعيا للأمن والأمان والرغيف الكريم الحلال، وأرسلت ما أنجز من الكتاب مع جملة من مصادره ضمن مجموعة من الطرود فيها ما استطعت أن أرسله من مكتبتي عن طريق الشحن البحري- يوم كان الحصار الجوي مفروضا على ليبيا:- ووصل قسم قليل من الطرود، وضلت الطريق بقية الطرود، أو لنقل غيّبت، وكان الكتاب ومخطوطاته من جملة ما غاب أو غيّب، ولما استقر بي المقام في البلد الجديد، عاودني الحنين إلى الكتاب، ونفضت عن نفسي هموم الاحباط واليأس، وعاودت البحث عن مخطوطات الكتاب وتوافرت لدي ثلاث نسخ، ثم كلما قاربت من انجاز تحقيق الكتاب، ظهرت أمامي نسخ جديدة، فأعيد دراستها ومقابلتها، حتى أمكن الحصول علي ست نسخ تم بموجبها تحقيق الكتاب بعون من الله وتوفيقه، ولا شك أن هناك نسخا في بطون المكتبات لم أستطع الوصول إليها.
كتاب المحاضرات والمحاورات لم ينشر من قبل، وهو موسوعة أدبية، فيه نقول كثرة عن كتب تراثية نفيسة، منها المفقود، ومنها الذي ما زال مخطوطا، وقد حفظ كثيرا من الأخبار الأدبية والدينية والتاريخية والحضارية، وحوى شعرا لشعراء لم تصل دواوينهم، وأشعارا لشعراء خلت منها دواوينهم المطبوعة، وقد بلغ عدد الأبيات المذكورة في الكتاب حوالي الفين ومائتي بيت.