للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[[في العزلة]]

قال ابن عبد البر في التمهيد: قد فضّل رسول الله صلّى الله عليه وسلم العزلة، وفضّلها جماعة العلماء والحكماء، ولا سيما في زمن الفتن وفساد الناس، وروي من مرسل الحسن وغيره أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: (صوامع المؤمنين بيوتهم) [١] ، ثم أخرج بسنده عن أبي الدرداء قال: (نعم صومعة الرجل المسلم بيته، يكفّ فيها بصره ونفسه وفرجه، وإياكم والمجالس في الأسواق فانها تلغي وتلهي) [٢] . وأخرج من طريق ابن لهيعة، عن بشار بن عبد الرحمن قال: قال لي بكير بن الأشج: ما فعل خالد؟ قلت: لزم البيت مذ كذا وكذا، فقال: أما إن رجالا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم.

وأخرج عن عدسة قال: مر بنا ابن مسعود، فأهدي له طير، فقال ابن مسعود:

وددت أني حيث صيد هذا الطائر، لا يكلمني أحد ولا أكلمه. وأخرج عن حذيفة قال: لوددت أني وجدت من يقوم بي في مالي، فدخلت بيتي، فأغلقت بابي، فلم يدخل عليّ أحد، ولم أخرج إلى أحد حتى ألحق بالله عز وجل.

وكان طاووس يجلس في البيت، فقيل له: لم تكثر الجلوس في البيت، فقال:

حيف الأئمة وفساد الناس./

وقال رجل لسفيان الثوري: أوصني، فقال: هذا زمن السكوت ولزوم البيوت.

وقال ابن عبد البر: فرّ الناس قديما من الناس، فكيف بالحال اليوم، قال: ورحم الله منصور الفقيه حيث يقول [٣] : [مجزوء الكامل]

الخير أجمع في السكوت ... وفي ملازمة البيوت

فاذا استوى لك ذا وذل ... ك فاقتنع بأقلّ قوت

وقال أيضا [٤] : [الخفيف]

ليس هذا زمان قولك ما الحك ... م على من يقول أنت حرام


[١] المصنف ١٣/٢٩٢.
[٢] روى النصف الأول منه الشعراني في الطبقات ص ٢٧.
[٣] منصور الفقيه: منصور بن اسماعيل بن عمر التميمي، فقيه من الشعراء ضرير أصله من رأس العين بالجزيرة، مدح الخليفة المعتز ثم سكن مصر وتوفي بها، وكان هجّاء خبيث اللسان، نقل عنه كلام في الدين، وشهد عليه بذلك شاهد، فقال القاضي أبو عبيد إن شهد عليه ثان ضربت عنقه، فاستولى عليه الخوف ومات سنة ٣٠٦ هـ. (وفيات الأعيان ٢/١٢٥، نكت الهميان ٢٩٧، معجم الأدباء ٧/١٨٥- ١٨٩ الشذرات ٢/٢٤٩) .
[٤] الأبيات في بهجة المجالس ٢/٣١٦، معجم الأدباء ٦/٢٧٢٥ ط احسان عباس.

<<  <   >  >>