إنشاء الأديب تقي الدين ابن حجة [١] ، يقبل الأرض التي قامت حدود مكارمها، وقطعت عنا مكروه الفقر، بمسنون عزائمها، وينهي وصول السكين التي قطع المملوك بها أوصال الجفا، وأضافها إلي الأدوية،/ فحصل بها البرء والشفا، وبالله ما غابت، إلا وبلغت الأقلام من تعشيرها إلى الحفا زرقا، وكم شاهدت البيض منها ألوان، خرساء من العجب أنها لسان كل عنوان، ما شاهدها موسى إلا شهد في محراب النصاب، وذل بعد ما خضعت له الرؤوس والرقاب، كم أيقظت طرف القلم بعد ما خط، وعلى الحقيقة ما رؤي مثلها قط، وكم وجد بها الصاحب في المضايق نفعا، وحكم بحسن صحتها قطعا، ماضية العزم، قاطعة السن فيها حدة الشباب من وجهين، لأنها بالناب والنصاب معلمة من الطرفين، أنملة صبح تقمعت بسواد الدجى، فعوّذتها بالضحى والليل إذا سجى، ولسان برق امتد في لهوات الليل، فتفكرت أشعة الأنجم، حتى ما عرف منها سهيل، هذا وتقطيعها موزون، إذا لم نتجاوز في عروض ضربها الحد، ومعلوم أن السيف والرمح لم يعرفا غير الجزر والمد:[الكامل]
من أجلنا تدخل في مضايق ... ليس لسيف قطّ فيها مدخل
وكلّ ما نفعله توجزه ... والرمح في تعقيده يطوّل
إن هجعت لجفنها، كانت أمضى من الطيف، وكم لها من خاصة جازت بها الحد على السيف، تنسى حلاوة العسال، فلا يظهر لطوله طائل، وتغني عن آلة الحرب بايقاع ضربها الداخل، إن مرت بشكلها المحلى، تركت المعادن عاطلة، ولم يسمع للحديد في هذه الوقعة مجادلة، شهد الرمح بعدالته أنها أقرب منه إلى الصواب، وحكم بصحة ذلك من قبل أن يتكمل لها النصاب، ما طال في رأس القلم شعرة إلا سرحتها باحسان، ولا طالعت كتابا إلا أزالت غلطه بالكشط من رأس اللسان، تعقد عليها الخناصر، لأنها عدة وعده، وبالله ما وقعت في قبضة إلا أطالت لسانها، وتكلمت بحدّه، إن أدخلت إلى القراب، كانت قد سبكت على الدخول، أو أبرزت من غمدها، كان على طلعتها الهلالية قبول، تطرف بأشعتها الباهرة عين الشمس، وباقامتها الحد حافظة الأقلام على مواظبة
[١] ابن حجة الحموي: أبو بكر بن علي بن عبد الله الحموي الإزراري، تقي الدين، إمام أهل الأدب في عصره، كان شاعرا ومنشئا جيد الإنشاء من أهل حماة، زار القاهرة واتصل بعلمائها، سمي الأزراري لصناعته في عمل الحرير وعقد الأزرار في صباه، له من المصنفات: خزانة الأدب، وثمرات الأوراق،، وقهوة الإنشاء، وغيرها، توفي في حماة سنة ٨٣٧ هـ. (شذرات الذهب ٧/٢١٩، الضوء اللامع ١١٥٣، كشف الظنون ١٣٦٦) .